حرية التساؤل.. ضرورة زمنية وحق إنساني!
الخميس - 04 فبراير 2016
Thu - 04 Feb 2016
طالعتنا مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع المنصرم بمادة صوتية للدكتور خالد الجديع يطرح فيها بعض التساؤلات العقائدية، إلا أن ردة الفعل الجماهيرية المرعبة ليست بمستغربة طالما أنها لم تتعود على هذا النوع من الأسئلة، وفي تصوري أن ضرورة تلك الأسئلة تكمن في أنها تفاعلات حقيقية في أذهان جيل جديد يتشكل الآن بصورة جادة، وبالتالي فإن الحوار وبناء أرضية مشتركة بين وعي هذا الجيل وبين المنظومة الدينية التقليدية سيثمر عن تقليص أعداد المتمردين على الكثير من تلك القيم، ذلك التمرد الذي رأينا الكثير من صوره وأشكاله وبات حقيقة لا تنكر.
كل فعل (سلوكي) يمكن أن يتم التعامل معه بطريقة أمنية أو سلطوية، ولكن الأفكار والتصورات لا يمكن أبدا محاصرتها بتلك الطريقة، بل الأدهى من ذلك أن أي منظومة دينية أو تربوية أو فكرية يجب أن تكون فضاء حاضنا لأبنائها لا أن تتحول إلى منظومة (بوليسية) تستخدم القوة والسلطة لفرض أنواع من القناعات أو تمارس قمع الأفكار التي تفرض إلحاحها الزمني أحيانا، والتي إن لم تجد لها مقابلا يمتص جموحها ويجيب عن أسئلتها المتأججة، فلن تنكفئ في داخل الوجدان بمجرد التهديد أو القمع أو المنع من البوح وحرية التساؤل!
إن علينا إدراك تلك الحقيقة التي جرت فصولها التاريخية في التجربة الأوروبية حين تم التفتيش عن الأفكار والمعتقدات وكيف كانت النتيجة، بل وكيف تحولت مجرد التساؤلات إلى حالة تمرد حقيقية فرضت بعد ذلك واقعها الفكري والسياسي والاجتماعي، وأصبحت الكنيسة الآن متوارية تماما في الحياة الغربية، في حين أنه كان بإمكانها تقليص الكثير من الخسائر فيما لو كانت أكثر هدوءا وأبوية في تعاطيها مع تلك التساؤلات، ولهذا فالتاريخ معلم كبير!
أما من يعتقد أن بعض تلك التساؤلات يمكن أن تسبب حالة من التشكيك وشق الصف وزعزعة الثوابت.. إلى آخر تلك القائمة من حيل الممانعة، فإن هذا الأمر لم يحدث في عصر صدر الإسلام حينما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأسئلة وما يشبهها بصدر رحب، ولم يمنع مطلقا تلك التساؤلات، بل كان القرآن ينزل عليه داعما تلك الحالة الحوارية، ليجيب عن الكثير من تلك الأسئلة، وهذا يعني الدعم الإلهي لمبدأ الحوار، وليس أبدا التوجيه بالمنع والمحاسبة!
هذا المبدأ القرآني نفسه، والذي طرح تساؤلات سيدنا إبراهيم عليه السلام بكل شفافية حين تساءل بتلك الأسئلة الوجودية التي توصل من خلالها إلى إدراك حقيقة الإله، هذا المبدأ قد أثمر لاحقا نهضة فكرية في الحضارة العربية، فتم التحاور مع الملحدين بكل كفاءة، فضلا عن المخرجات الحضارية لتلك العقلية في مواضع مضيئة من التاريخ.
الحوار لا يأتي إلا بخير، إنه يساهم في رفع مستوى الذهن الجمعي الذي يرى ويسمع ويحلل ويبني تصوراته التراكمية، فكلما تعززت لديه صور التحفظ والمنع والامتعاض من تلك الأسئلة التي تُجاذب المُدركات المتعارف عليها ترسخت عنده المخاوف من زعزعة تلك المدركات، وبالتالي فقدان الثقة بالذات وكذلك بمقومات البقاء. بل إن عمليات الصيانة لأي معتقد لا تكمن أبدا في منع النقاش والحوار، بل في رفع كفاءة ذلك المعتقد مع الزمن، وهنا يأتي الحديث عن تجديد الخطاب والأدوات واللغة، وكذلك التعاطي السلبي الذي يكتفي بإخراس الألسنة دون النفاذ إلى قيعان الأفئدة التي تخبئ ما تحويه دون قدرة أي سلطة على النفاذ إليها.
[email protected]
كل فعل (سلوكي) يمكن أن يتم التعامل معه بطريقة أمنية أو سلطوية، ولكن الأفكار والتصورات لا يمكن أبدا محاصرتها بتلك الطريقة، بل الأدهى من ذلك أن أي منظومة دينية أو تربوية أو فكرية يجب أن تكون فضاء حاضنا لأبنائها لا أن تتحول إلى منظومة (بوليسية) تستخدم القوة والسلطة لفرض أنواع من القناعات أو تمارس قمع الأفكار التي تفرض إلحاحها الزمني أحيانا، والتي إن لم تجد لها مقابلا يمتص جموحها ويجيب عن أسئلتها المتأججة، فلن تنكفئ في داخل الوجدان بمجرد التهديد أو القمع أو المنع من البوح وحرية التساؤل!
إن علينا إدراك تلك الحقيقة التي جرت فصولها التاريخية في التجربة الأوروبية حين تم التفتيش عن الأفكار والمعتقدات وكيف كانت النتيجة، بل وكيف تحولت مجرد التساؤلات إلى حالة تمرد حقيقية فرضت بعد ذلك واقعها الفكري والسياسي والاجتماعي، وأصبحت الكنيسة الآن متوارية تماما في الحياة الغربية، في حين أنه كان بإمكانها تقليص الكثير من الخسائر فيما لو كانت أكثر هدوءا وأبوية في تعاطيها مع تلك التساؤلات، ولهذا فالتاريخ معلم كبير!
أما من يعتقد أن بعض تلك التساؤلات يمكن أن تسبب حالة من التشكيك وشق الصف وزعزعة الثوابت.. إلى آخر تلك القائمة من حيل الممانعة، فإن هذا الأمر لم يحدث في عصر صدر الإسلام حينما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأسئلة وما يشبهها بصدر رحب، ولم يمنع مطلقا تلك التساؤلات، بل كان القرآن ينزل عليه داعما تلك الحالة الحوارية، ليجيب عن الكثير من تلك الأسئلة، وهذا يعني الدعم الإلهي لمبدأ الحوار، وليس أبدا التوجيه بالمنع والمحاسبة!
هذا المبدأ القرآني نفسه، والذي طرح تساؤلات سيدنا إبراهيم عليه السلام بكل شفافية حين تساءل بتلك الأسئلة الوجودية التي توصل من خلالها إلى إدراك حقيقة الإله، هذا المبدأ قد أثمر لاحقا نهضة فكرية في الحضارة العربية، فتم التحاور مع الملحدين بكل كفاءة، فضلا عن المخرجات الحضارية لتلك العقلية في مواضع مضيئة من التاريخ.
الحوار لا يأتي إلا بخير، إنه يساهم في رفع مستوى الذهن الجمعي الذي يرى ويسمع ويحلل ويبني تصوراته التراكمية، فكلما تعززت لديه صور التحفظ والمنع والامتعاض من تلك الأسئلة التي تُجاذب المُدركات المتعارف عليها ترسخت عنده المخاوف من زعزعة تلك المدركات، وبالتالي فقدان الثقة بالذات وكذلك بمقومات البقاء. بل إن عمليات الصيانة لأي معتقد لا تكمن أبدا في منع النقاش والحوار، بل في رفع كفاءة ذلك المعتقد مع الزمن، وهنا يأتي الحديث عن تجديد الخطاب والأدوات واللغة، وكذلك التعاطي السلبي الذي يكتفي بإخراس الألسنة دون النفاذ إلى قيعان الأفئدة التي تخبئ ما تحويه دون قدرة أي سلطة على النفاذ إليها.
[email protected]