السياحة الدينية.. حينما يصبح الحلم حقيقة

مكيون
مكيون

الأربعاء - 03 فبراير 2016

Wed - 03 Feb 2016

لقد كانت لي تجربة ثرية في مجال السياحة الدينية وزيارة الآثار التاريخية المكية من خلال عملي كرئيسة للجنة النسائية التطوعية بمؤسسة جنوب آسيا، وعلى مدار خمس سنوات من العمل الجاد الدؤوب حققنا خلالها قدرا كبيرا من رؤيتنا السامية في جعل «حج المرأة عبادة وثقافة ووسيلة للتواصل الفكري والإنساني».

من خلال التخطيط لزيارات ثقافية للحاجيات مثل: متحف السلام عليكم أيها النبي، ومتحف الحرمين، وكسوة الكعبة والمساجد التاريخية في المشاعر المقدسة، ومكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فضلا عن الزيارات للمشاريع العملاقة كمشروع الملك عبدالله - رحمه الله -لتنقية مياه زمزم، ومشاريع التوسعة للمسجد الحرام والتي تبرز دور الحكومة السعودية في تقديم خدمات متميزة لضيوف الرحمن.

ولأهمية الآثار-من وجهة نظري - في إيجاد بيئة ثقافية واستثمار موارد مالية من المخزون التاريخي الذي يوجد في مكة المكرمة، وبل وفي الجزيرة العربية كلها، نظرا لموقعها الاستراتيجي بين حضارات الشرق والغرب، ففي مكة المكرمة أول بيت وضع للناس، وقبلة المسلمين، ويفد إليها كل عام الملايين من الحجاج والمعتمرين، فكان حري بنا أن يكون لدينا متحف دائم يليق بعظمة المكان، بل من حق طلاب العلم والدارسين للتاريخ والحضارات الإنسانية في العالمين العربي والإسلامي مشاهدة هذه الآثار ودراستها وكتابة التقارير عنها من خلال الزيارات العلمية بدلا من حفظ ودراسة المعلومات فقط من الكتب.

وقد كتبت مقالا في هذا السياق بعنوان «الآثار والسياحة ومتحف عالمي بمكة المكرمة» في صحيفة المدينة -الأربعاء 28/3/2012» طالبت فيه الهيئة العامة للآثار والسياحة - آنذاك - بإقامة متحف عالمي في مكة المكرمة على غرار المتاحف التي أقيمت في الخارج: كمتحف اللوفر بفرنسا، ومتحف برشلونة في إسبانيا ومتحف الأرميتاج في روسيا ومعرض «الحج رحلة إلى قلب العالم الإسلامي» في لندن، نظرا لأهمية هذه المتاحف في تعريف العالم بحضارة وتاريخ الإسلام الذي انبثق من هذه البقعة الطاهرة ليكون إرثا حضاريا للأجيال القادمة، ولكل من يأتي إلى مكة المكرمة في الحج والعمرة وهم يأتون كل عام بالملايين.

وها هو الحلم يصبح حقيقة بإعلان شركة بريطانية «موسيسان» بفوزها بتصميم أول متحف ثقافي في العالم بمكة المكرمة بمسمى «واحة الإيمان» لرصد تاريخ الإسلام وإفهام العالم حقيقة الدين الإسلامي -حسب صحيفة مكة المكرمة السبت 13/4/1437.

وحقيقة فإنه مشروع يدعو للفخر والاعتزاز لما تقوم به الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني من جهود جبارة، خاصة وأن الشركة قد أعلنت ربما تفوق المتحف على متحف اللوفر في باريس ومتحف لندن من حيث متوسط عدد الزوار سنويا الذين سيزيد عددهم عن عشرة ملايين زائر سنويا، وهو أحد أساليب التحول الوطني الاقتصادي الهامة بتوفير مصادر للدخل القومي في البلاد بدلا من الاعتماد على النفط، ودعم الوجهات الإقليمية وتعريف المعتمرين بحضارة السعودية ونهضتها وهذا هو هدف المشروع.

وحقيقة فإن هذا المتحف حتما وبما سيقدمه من معروضات بأساليب تكنولوجية عاليه من صوتيات وأفلام وعرض وثائق تاريخية، فضلا عما سيوفره من أجواء حدائقية ملائمة ومزودة بنظام خاص للتحكم في أجوائها، بالإضافة إلى كونه يجعل الزائر يسير عبر مآذنه للصعود إلى أدواره العليا، بالإضافة إلى قربه من المسجد الحرام، كل تلك المعطيات تجعل من المتحف تحفة ثقافية حضارية مرتقبة من أبناء العالم الإسلامي.

حقيقة اقترح أن تتحول الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى «وزارة السياحة»، نظرا لما ستقوم به من أدوار جذرية في حركة التحول الوطني الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل وخاصة بعد استحداثها مشروع «ما بعد العمرة» والذي سيقوم على ربط العمرة بالجانب السياحي، لإتاحة الفرصة للمعتمرين من زيارة المناطق الأثرية والتاريخية في مختلف مناطق المملكة، وحتما سيكون لهذا المشروع دور رائد في توظيف كوادر بشرية مؤهلة وخاصة من خريجي قسم التاريخ والحضارة الإسلامية، وكذلك خريجي أقسام تقنية المعلومات والحاسب الآلي وخريجي أقسام السياحة والفندقة، وكم نتمنى أن يكون مسمى المشروع «ما بعد الحج والعمرة» ليكون أيضا لحجاج بيت الله الحرام وقتا مخصصا لهذه السياحة الدينية والتعرف على الآثار في بلادنا، حقا ما أجمل أن يتحول الحلم إلى حقيقة في هذا الوطن المعطاء.