الاقتصاد والمرض الهولندي
الاثنين - 01 فبراير 2016
Mon - 01 Feb 2016
في منتدى التنافسية الذي أقيم في الرياض الأسبوع الماضي، أطلق معظم الوزراء والمسؤولين جملة وعود، تضاف إلى الوعود السابقة التي يبشر بها معظمهم في بداية توليهم الوزارة، لتمر الأيام والشهور والأعوام دون أن يتحقق منها شيء، أو يساءل المسؤول عنها، ويحلون ضيوفا على مجلس الشورى بين فترة وأخرى، ويغرق الجميع في مناقشة قضايا ثانوية تكرر في كل تقرير سنوي دون التطرق إلى هذه الوعود التي كانت عناوين بارزة في تصريحاتهم.
معظم المسؤولين الذين شاركوا في المنتدى لم يشخصوا لنا واقع وزاراتهم، وتجاوزوا ذلك إلى الحديث عن المستقبل دون المرور بالواقع، ما عدا وزير التجارة والصناعة توفيق الربيعة الذي استطاع أن يقول لنا ما كنا نلمح له بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وكنا نخشى أن يحدث، إذ شخص واقع الاقتصاد بأربع كلمات: السعودية أصيبت بـ»المرض الهولندي».
المرض الهولندي (Dutch Disease) الذي شخص الربيعة إصابة الاقتصاد به، مصطلح مجازي شاع استخدامه بعدما نشرت مجلة الإيكونوميست في عام 1977 مقالا بهذا العنوان لوصف التجربة الهولندية يعود إلى الستينات من القرن الماضي، بعد اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي داخل حدودها في بحر الشمال، ترتب عليه تدهور الاقتصاد بسبب حالة الكسل والجمود والوهن الذي أصاب الشعب الهولندي، الذي جنح للترف والبذخ، والتبذير، والاستهلاك المفرط.
هذا المصطلح بشكل عام يستخدم لوصف ظاهرة اقتصادية تحدث نتيجة لتطورات اقتصادية معينة كاكتشاف سلع رئيسة بكميات تجارية يترتب عليها ارتفاع قيمة عملة هذه الدولة، وتراجع التنافسية الدولية لها نتيجة لتحول الموارد فيها عن إنتاج السلع التي كانت تنتجها وتصدرها الدولة من الناحية التقليدية نحو قطاعات أخرى، ولا يقتصر على النفط أو الغاز، بل يقاس عليه أي تطور ينتج عنه تدفق كبير في النقد الأجنبي للداخل، بما في ذلك حدوث ارتفاع حاد في أسعار الموارد الطبيعية والمساعدات الأجنبية والاستثمار الأجنبي المباشر.
وأعراض المرض الهولندي في اقتصادات دول الخليج بما فيها السعودية ظاهرة للعيان، وتتمثل في الاعتماد على تصدير النفط الخام، وميل الشعوب الخليجية إلى الكسل والجمود، والترف والاستهلاك المفرط، وغياب المنتج المحلي في الأسواق المحلية نتيجة اضمحلال النشاط الإنتاجي - الصناعي، والميل إلى العمل في الوظائف الحكومية، والحديث عن هذا المرض وأعراضه لم يعد سرا، بل كان يجب أن يكون منذ منتصف الثمانينات.
على أية حال ما قاله الوزير الربيعة، قد يكون أبرز ما خرجنا به من منتدى التنافسية، وما عدا ذلك من وعود ليس جديدا، بل يعد حديثا مكررا نسمعه كثيرا، وما أعلن في هذا المنتدى من خطط ووعود ستذهب بمجرد أن يغادر الوزير منصبه، ويأتي الوزير الجديد بوعود وخطط جديدة.
هذا التشخيص، وإن كان متأخرا، فهو بكل صراحة وضع الإصبع على مكان الألم، ويعد المكاشفة الأولى والحقيقة في هذا السياق، يجب أن نتوقف عنده من نواح عدة:
أولا: أعتقد أنها المرة الأولى التي يتم الاعتراف فيها علانية بإصابة الاقتصاد بالمرض الهولندي، ففي السابق كان هناك حديث خجول من بعض الاقتصاديين والكتاب حول ذلك، لكن هذه المرة جاء من جهة رسمية ومن وزير معني بالتجارة والصناعة، ووضع الجميع أمام مسؤوليته، فالاقتصاد الريعي الذي يعتمد على النفط فقط قد يخلق مستقبلا صدمات اقتصادية.
ثانيا: الاعتراف بالمشكلة يعد بداية الطريق الصحيح لحلها، والعمل على تصحيح ذلك من خلال توجيه الاهتمام بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، فقطاع الأعمال الصناعي والتجاري لا يزال ضعيفا جدا، ويحتاج إلى محفزات وتنشيط للوصول إلى حجم أمثاله في دول العالم.
ثالثا: يجب أن ندرك أن التعافي من أعراض المرض الهولندي لن يتم بين ليلة وضحاها، ويحتاج إلى نحو عقدين من الزمن في الظروف الطبيعية والصحيحة، وأن ثمن هذا التصحيح سيكون باهظا لكن أثره على المدى الطويل سيكون إيجابيا على الاقتصاد وعلى حصة الفرد من الناتج القومي.
[email protected]
معظم المسؤولين الذين شاركوا في المنتدى لم يشخصوا لنا واقع وزاراتهم، وتجاوزوا ذلك إلى الحديث عن المستقبل دون المرور بالواقع، ما عدا وزير التجارة والصناعة توفيق الربيعة الذي استطاع أن يقول لنا ما كنا نلمح له بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وكنا نخشى أن يحدث، إذ شخص واقع الاقتصاد بأربع كلمات: السعودية أصيبت بـ»المرض الهولندي».
المرض الهولندي (Dutch Disease) الذي شخص الربيعة إصابة الاقتصاد به، مصطلح مجازي شاع استخدامه بعدما نشرت مجلة الإيكونوميست في عام 1977 مقالا بهذا العنوان لوصف التجربة الهولندية يعود إلى الستينات من القرن الماضي، بعد اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي داخل حدودها في بحر الشمال، ترتب عليه تدهور الاقتصاد بسبب حالة الكسل والجمود والوهن الذي أصاب الشعب الهولندي، الذي جنح للترف والبذخ، والتبذير، والاستهلاك المفرط.
هذا المصطلح بشكل عام يستخدم لوصف ظاهرة اقتصادية تحدث نتيجة لتطورات اقتصادية معينة كاكتشاف سلع رئيسة بكميات تجارية يترتب عليها ارتفاع قيمة عملة هذه الدولة، وتراجع التنافسية الدولية لها نتيجة لتحول الموارد فيها عن إنتاج السلع التي كانت تنتجها وتصدرها الدولة من الناحية التقليدية نحو قطاعات أخرى، ولا يقتصر على النفط أو الغاز، بل يقاس عليه أي تطور ينتج عنه تدفق كبير في النقد الأجنبي للداخل، بما في ذلك حدوث ارتفاع حاد في أسعار الموارد الطبيعية والمساعدات الأجنبية والاستثمار الأجنبي المباشر.
وأعراض المرض الهولندي في اقتصادات دول الخليج بما فيها السعودية ظاهرة للعيان، وتتمثل في الاعتماد على تصدير النفط الخام، وميل الشعوب الخليجية إلى الكسل والجمود، والترف والاستهلاك المفرط، وغياب المنتج المحلي في الأسواق المحلية نتيجة اضمحلال النشاط الإنتاجي - الصناعي، والميل إلى العمل في الوظائف الحكومية، والحديث عن هذا المرض وأعراضه لم يعد سرا، بل كان يجب أن يكون منذ منتصف الثمانينات.
على أية حال ما قاله الوزير الربيعة، قد يكون أبرز ما خرجنا به من منتدى التنافسية، وما عدا ذلك من وعود ليس جديدا، بل يعد حديثا مكررا نسمعه كثيرا، وما أعلن في هذا المنتدى من خطط ووعود ستذهب بمجرد أن يغادر الوزير منصبه، ويأتي الوزير الجديد بوعود وخطط جديدة.
هذا التشخيص، وإن كان متأخرا، فهو بكل صراحة وضع الإصبع على مكان الألم، ويعد المكاشفة الأولى والحقيقة في هذا السياق، يجب أن نتوقف عنده من نواح عدة:
أولا: أعتقد أنها المرة الأولى التي يتم الاعتراف فيها علانية بإصابة الاقتصاد بالمرض الهولندي، ففي السابق كان هناك حديث خجول من بعض الاقتصاديين والكتاب حول ذلك، لكن هذه المرة جاء من جهة رسمية ومن وزير معني بالتجارة والصناعة، ووضع الجميع أمام مسؤوليته، فالاقتصاد الريعي الذي يعتمد على النفط فقط قد يخلق مستقبلا صدمات اقتصادية.
ثانيا: الاعتراف بالمشكلة يعد بداية الطريق الصحيح لحلها، والعمل على تصحيح ذلك من خلال توجيه الاهتمام بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، فقطاع الأعمال الصناعي والتجاري لا يزال ضعيفا جدا، ويحتاج إلى محفزات وتنشيط للوصول إلى حجم أمثاله في دول العالم.
ثالثا: يجب أن ندرك أن التعافي من أعراض المرض الهولندي لن يتم بين ليلة وضحاها، ويحتاج إلى نحو عقدين من الزمن في الظروف الطبيعية والصحيحة، وأن ثمن هذا التصحيح سيكون باهظا لكن أثره على المدى الطويل سيكون إيجابيا على الاقتصاد وعلى حصة الفرد من الناتج القومي.
[email protected]