معاليه يشكركم ويعتذر

تفاعل
تفاعل

السبت - 30 يناير 2016

Sat - 30 Jan 2016

داهمني شعور مفعم بالفرح وحلق بي خيالي بعيدا إلى أفق جامح وأنا أتلقى مكالمة من مكتب معاليه ظننت ساعتها أني أتلقى خبرا بقرار الجامعة الموقرة بمنح الدكتوراه الفخرية للكابتن سامي، الرجل الذي اقترحت على الجامعة في رسالة سابقة استضافته لإحياء أمسية يعرض خلالها في محاضرة عن تجربة فريدة لم يسبقه إليها أحد ليس في المملكة فقط بل ولا في العالم العربي أجمع! واقترحت عليهم تقديم المحاضرة للطلبة وهيئة التدريس وضيوف الجامعة المرموقين الذين تدعوهم الجامعة لفعالياتها الثقافية للتعرف على تجربة هذا الرائد في تخصصه. غمرني هذا الشعور من فرط الإطراء الذي سمعته من محدثي الذي كان يصيغ العبارات في قوالب جاهزة أقرب لما تنشره معظم الصحف العربية في صفحاتها الأولى.

تخيلت نفسي أثناء المكالمة وقد وصلت سيارة فخمة تحت بيتي لتنقلني مع المحاضر لحضور حفل يقام لنيل صديقي هذه الدرجة الفخرية الرفيعة من الجامعة، كما تخيلت نفسي في طريق العودة معه من الجامعة بعد الأمسية وهو يرتدي القبعة السوداء المربعة يتدلى منها قيطان لامع أنيق محملا بالهدايا والزهور والثناء ودرعا لتكريم المعهود في هذه المناسبات.

كنت سعيدا فرحا وأنا أستمع للمحادثة التي بدأت بديباجة الثناء والشكر كأنها أعدت إعدادا جيدا قبل الاتصال الهاتفي، وفي غمرة هذا الفرح الطاغي والخيال والدكتوراه الفخرية والعربة الفارهة التي كانت تشق بي الطريق من ممر كبار الشخصيات في الخط السريع وأنا في المقعد الخلفي أراجع فقرات المحاضرة مع المحاضر الذي كان ممنونا لترتيب هذه الفرصة له، والتي أثمرت عن درجة علمية فخرية مرموقة ودرع وهدايا وصور تذكارية بعد المحاضرة مع جموع الطلبة وهيئة التدريس.

وفجأة انحسر الخيال وهوت أحلامي إلى أرض الواقع لأجد أن محدثي بعد ديباجة الشكر يردف في نبرة مختلفة أن الجامعة يحتشد لديها في هذا الموسم العديد من الفعاليات والمناسبات والمحاضرات، مما يضطرها إلى الاعتذار عن إدراج محاضرتنا! وأشار المتحدث باسم معاليه إلى أن لدينا النادي الأدبي والغرفة التجارية بدلا من الجامعة!

جلست على ركام فرحتي التي لم تدم طويلا وأنقاض خيالي الجامح في حصول صديقي على الشهادة الفخرية ونقل التجربة الرائدة إلى طلبة العلم وأساتذة الجيل، وأضاف المتحدث أن إقامة محاضرة كهذه يتطلب عملا إداريا كبيرا وطلبات بالإذن من الجهات الرسمية والجهات المعنية والجهات ذات العلاقة وكثير من الترتيبات المسبقة.

تذكرت حينها ذلك العجوز الذي عاد إلى بلده بعد أن قضى خمسا وثلاثين عاما يعمل مهندسا للبترول في أرامكو عاد حاملا معه مقتنيات وتحفا وصورا وكتبا جمعها خلال فترة إقامته بيننا، وأهداها إلى الجامعة في ولايته Missouri وسط الغرب الأمريكي حيث درس ابني همام، كانت الجامعة في ميسوري تلقت مقتنيات المهندس الأمريكي المتقاعد هدية منه وخصصت لها صالة عرض واسعة وعينت بها إحدى المعيدات من قسم التاريخ، كما خصصت الجامعة يوما في الأسبوع يحضر فيه المهندس إلى الجامعة يستقبل الطلاب والزائرين يشرح لهم تجربته في العمل وفي الحياة وفي البترول وكل ما اكتسبه من خبرات في الغربة، والطلبة يسمعون ويكتبون ويعجبون ويتركون في مدونة صالة العرض ما ألهمهم به هذا المتقاعد من خلال تجربته.

أنهيت محادثتي مع مكتب معاليه محبطا حزينا وعدت خالي الوفاض، حيث لا دكتوراه فخرية ولا قبعة تخرج

ولا سيارة فارهة ولا إلهام للطلبة، تفاديا من مكتب معاليه لشكليات الإجراءات أو الاتصال للحصول على موافقات روتينية!

هذه خسارتي وخسارة المحاضر، ولا أدري كم خسر الطلبة وهيئة التدريس أو ضيوف الجامعة؟