الحسد المركزي العنصري المضاعف

الثلاثاء - 26 يناير 2016

Tue - 26 Jan 2016

عمليات الحسد تزداد ظهورا وتتضح في القرى الصغيرة، والهجر الطرفية من مملكتنا، ويقال إنها تزداد بين الأقران والأقارب من نفس الأسرة، أو القبيلة، أو المنطقة، حتى إنها لا تستثني الإخوة الأشقاء، فتعلو بينهم سدود القطيعة والخصام والشر.

فما إن يقوم أحد المواطنين بالتفكير في مشروع بسيط إلا وتجد بالغد من يقف بباب المحكمة مطالبًا إياه بإيقاف ذلك العمل، حتى ولو كان مشروعًا تنمويا يفيد القرية المنسية، ويحييها من بعد موات.

أمر له عظيم العجب، فكم من مشروع حكومي أو تجاري توقف وحكم عليه بالتجميد، أو النقل لمنطقة أخرى، ليحرم منه المواطن، لمجرد أنه كان يمر بجوار أرض فلان، أو أنه تناسى تعويض ربوع علان!.

ويا حسداه، فكيف يختص فلان بهذا المشروع، ويمتلك سمعة الخير بين أهل المنطقة!.

تلقائيا يتحرك الحاسد، ليقف له ولمشروعه بالمرصاد، ويشارعه اجتماعيا بالوجوه، وقضائيًا بالدعاوى، وحكوميًا بعرائض الشكاوى.

وبطول فترات المحاكمة يتعثر المشروع؛ وليت الحاسد يقوم بعد ذلك بعمل بديل يفي المنطقة بالغرض منه، ولكن الحكاية تبدأ وتنتهي حيث يكمن نهج الحسد، فليمت الجميع حسرة، خير من أن يحصل أحدهم على شرف المبادرة!.

قصص حسد تكاد أن تعبر عنان السماء، ولو سألت أحد الأطراف فلن يلبث أن يصور لك الأمر، وكأنه هو الحمل الوديع، وأن الطرف الثاني ليس إلا شيطانًا رجيما!.

قصص جنوح تكاد أن تشعرنا بأن أصحابها لا يمتون لأي أخلاق، ولا لأي دين بصلة، وتتعجب عندما تقترب من الحاسد أكثر، فتجده ملتزما يحافظ على أداء شعائر الدين الأخرى بشكل مبهر، يكاد أن يصيب العقل بالبلبلة لعدم القدرة على الفهم!.

ولتصل معي لقمة العجب، فإنك تجد الكثير ممن يقترفون ذلك الحسد على ثقافة عالية، وخُلق عظيم في علاقاتهم بالآخرين، وأنهم يتمتعون بالكرم، والتضحية، والعون، وربما بالمبالغة فيها للقريب والبعيد؛ ولكن ذلك برمته يختفي كليا عندما يصل لشخص المحسود!.

الحسد وباء مرير إذا تغلغل في النفوس، فلا شك أنه يعطل المصالح، ويحجب التنمية، ويؤخر عمليات التطور والنهضة، ويهدد كل ما بني في السابق بالهدم.

وتلك هي حقيقة ما يحدث في المناطق الصغيرة؛ ولكن صدقوني أنهم ليسوا وحدهم من يزاولون الحسد، وأن أهل المدن المركزية الكبرى أكثر حسدًا من أهل القرى، وأكثر لؤمًا، فهم يزاولون أنواعا أعظم جهلًا وفسقًا من خلال حسد التمييز المريض، الذي ينصب على الفئات البسيطة، التي لا تمتلك القرار، أو على أهل المناطق الفقيرة البعيدة، أو على لون أو فئة معينة من البشر بحسد عنصري مقيت؛ فيتم حرمانهم من مشاريع الدولة التنموية، وتعطيل نهضتهم بما يمتلكونه من جاه وقدرة ومسؤولية على تحديد مناطق إنشاء تلك المشاريع، أو نقلها من مكانها القديم.

في المناطق الكبرى لا تتعنى بالذهاب للمحاكم لتزاول حسدك، ويكفيك أن تجلس بمكتب أحد المسؤولين الكبار العنصريين، وأن تقنعه بأن المشروع الفلاني لا ينفع أن ينفذ في المنطقة الفلانية، وأنك أنت وربعك أولى به في ناحيتكم، التي قد لا تدخلونها إلا للنزهة، أو أن ينقله لقرب سكناكم، لمجرد (الفشخرة)، وحتى ولو لم يكن متطلبا فيها، وهنا يظهر الحسد المركزي العنصري المضاعف.

[email protected]