هجرة السعوديين

الاثنين - 25 يناير 2016

Mon - 25 Jan 2016

يدور الحديث هذه الأيام وبصوت منخفض عن هجرة السعوديين إلى بعض البلدان، ووصول عدد المهاجرين منهم سقف المليون نسمة، أي ما يشكل 5% من إجمالي سكان السعودية. في العموم تبقى صدقية مثل هذا الأمر مرهونة بالتبيان الرسمي، وهو ضروري بحسب اعتقادي على الأقل لمواجهت المبالغات والتبريرات المتقلبة، والأهم التفسيرات الملغمة المتوقع دورانها وتدويرها على غير هدى من أنصار التشويش في الخارج.

الهجرة أنواع، ولكل نوع ما يبرره، وتقديري أن الشارع السعودي لم يصل بعد حد القبول بحدوثها بهذا الرقم دون ضجيج وانزعاج، فالناس يعيشون في هذا البلد حالة ارتباط نادرة بين الإنسان والأرض، وإن كان ثمة من هجرة مقبولة فهي أيضا مربوطة بأغراض مقبولة وهجرة لا تطول، والمفترض بحكم الثقافة السائدة أن يجتاح المجتمع حالة من القلق، وتكثر الأسئلة إن تصاعد رقم المهاجرين السعوديين.

السائد أن أسباب الهجرة من الوطن الأم بشكل عام معروفة، تتقدمها الظروف المعيشية الضاغطة، أو التقلبات السياسية وضعف الغطاء الأمني، وهذا وذاك بعيد كل البعد عن الوطن من أقصاه إلى أقصاه. بشكل عام، هناك هجرة متقطعة تحركها الطموحات السياسية وأفرادها قلة وفرادى، وحدوثها طبيعي في كل بلد، وقد تعودت المجتمعات والحكومات على هذا النوع، ولكل بلد سياسته العلاجية.

وثمة هجرة تسمى هجرة رؤوس الأموال، وهي من السوء بمكان، فليس من المنطق أن يجمع الإنسان ثروته من داخل وطنه ثم يهاجر بها إلى البلدان الأخرى، تاركا خلفه فراغا اقتصاديا، هذا متى ما حدث يتجاوز علامات الإزعاج باتجاه حدود التنكر للوطن، وهو في كل عرف تصرف ممقوت منخفض، وإن دل على شيء فإنما يدل على ضعف الانتماء، شريطة ألا يكون هناك كساد اقتصادي، وقيود ضاغطة تحد من حرية تدوير وتنمية رأس المال في الداخل، الصحيح أن السعودية سوق حيوي تدعمه التسهيلات السخية، ولها السبق في مد يد الحماية مما يجعل الهجرة من هذا النوع غريبة.

عودا على بدء، أقول إن الرقم الذي وصل إليه عدد المهاجرين إن «صح» يعد من الإرهاصات الجديرة بتكوين ملف لدراسة أسباب هجرة السعوديين، وبموضوعية تكفل الوصول إلى خطوط الحقيقة بعيدا عن التخمينات أو الاتهامات، دراسة عاجلة تقوم على طرح عدد من الأسئلة غير المنفصلة عن المنطق، منها مثلا هل الهجرة لطلب المعيشة وقد ضاقت الفرص، أم هي من باب الترف، هل ثمة عتب مخفي، ونفس مهاجرة عزيزة آثرت الرحيل والصمت، وما إلى ذلك من الصنف الساخن من الأسئلة المربوط بمعطيات الواقع في كل الجوانب، حان صراحة وقت المراكز البحثية، وحان وقت غياب الاستنتاجات المجازفة، وصول المهاجرين السعوديين إلى «مليون نسمة»، حالة تستدعي الوصول إلى الأسباب، مهما كان ثقلها أو حساسيتها.

وفي الختام.. تبقى معالجة القضايا الوطنية في أي بلد كان خيرا من تركها تتنامي على هامش التقارير الوردية التي تسمن المعضلات، الزمن تغير. وبكم يتجدد اللقاء.

[email protected]