تعليم قابل للتكيف

الاحد - 24 يناير 2016

Sun - 24 Jan 2016

تحدثت في المقالين الماضيين عن جوانب مهمة تتعلق بمهارات القرن الحادي والعشرين، اليوم أختم السلسلة بفقرتين جوهريتين: الأولى تناقش الطريقة التي ينبغي أن تتبع في تحديد تلك المهارات والمعارف في ظل ندرة الأبحاث بالخصوص، والثانية تعطي نماذج لبعض المهارات المستجدة وأثرها على مستقبل الخريج المهني، كي تتضح الصورة بشكل أقرب.

هناك ضرورة لأن يدرك الوعي الوطني بأن مهمة تحديد المعارف والمهارات التي يحتاج إليها الطلاب يجب أن تلائم مشكلات وتحديات المجتمع الحالية والمستقبلية (أي نظرة معاصرة ومستقبلية). وهذا يتطلب فهما عميقا وشاملا (محليا ودوليا) لظروف المرحلة الحالية والتنبؤ بما ستجلبه التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية والبيئية من تحديات ومشكلات، نريد من الخريج أن يواجهها بصلابة وتفوق.

المهمة معقدة ولا يمكن أن تنجز إذا ما ترك الاختيار أو القرار بيد شخص واحد أو فئة ذات اختصاص معين، المهمة تتطلب بناء شراكة واسعة تجمع عقولا متنوعة على طاولة واحدة (أكاديميين وباحثين ورواد أعمال ومهنيين وواضعي السياسات والاستراتيجيات)، وتتطلب كذلك عقد لقاءات متكررة.

المهمة أيضا تتطلب مواكبة (تغيير وتطوير مستمرين)، ووفقا لما يستجد على الطاولة، يتم التوصية بإضافة مسارات تخصصية جديدة وتحديث مسارات وإلغاء مسارات أخرى، تحديث مناهج وإلغاء أخرى، وتطوير دوري لطرق التدريس والتقييم.

ولا شك أن ذلك سيتطلب من التنفيذيين (المديرين والمعلمين والمحاضرين بالمدارس والجامعات) أن يتسموا بمرونة عالية مع التغيير المتكرر، لأن الظروف أصبحت تتغير بشكل سريع لأسباب تعود إلى تطورات التكنولوجيا والعولمة، المصدر الرئيس للتحديات التي ستواجه الطلاب، وذلك كي تتحقق أهداف التنمية الوطنية المنشودة وتتم مقابلة احتياجات الجيل القادم من المعارف والمهارات الأساسية لنجاح مستقبلهم المهني.

فقرتي الثانية أهدف من خلالها إلى تقديم نماذج لمهارات أساسية تستجيب لمشكلات القرن الحالي، ومع هذا يغفل التعليم الوطني عن بعضها بشكل كبير، فاستنادا إلى نتائج مسح ميداني أجراه Millenial Branding في 2012 تحتل القدرات التالية: مهارات التواصل (communication skills)، الخصال الشخصية الإيجابية (positive attitude)، القدرة على التكيف مع التغيير (being “adaptable to change)، مهارات فرق العمل (teamwork skills) المراتب الأربع الأكثر أهمية في نظر مسؤولي التوظيف عند استقبال طالبي الوظائف. أيضا من بين المهارات التي تم اختبار مدى ارتباطها بنجاح الشخص في الحصول على الوظيفة أو الراتب المجزي ما يلي: التحلي بالمسؤولية (responsibility)، الاستقلالية (independence)، (outgoing character)، الإصرار (persistence)، الاستقرار العاطفي (emotional stability)، سمة المبادرة (initiative)، المهارات الاجتماعية (social skills)، السلامة من الاضطرابات الشخصية (lack of personality disorders).

تختلف هذه القدرات عن القدرات الذهنية (المبنية على الذاكرة والسببية)، من حيث أنها تعد أدوات تمكن الإنسان من التعامل الفاعل والقيادي مع مشكلات بيئته ومع من حوله، وهذا أمر حاسم في عصر أصبحت فيه الشركات تعتمد بشكل كبير على فرق العمل (teamwork) والشراكات (partnership) والتحالفات (alliances) في إنجاز الأعمال والتغلب على التحديات، وقد تلعب تلك السمات دورا مؤثرا في بناء الميزة التنافسية لها والاستمرارية.