الهياط.. وخديعة المجاز!
الأحد - 24 يناير 2016
Sun - 24 Jan 2016
في المعجم الوسيط (هَاطَ فلانٌ هَاطَ هَيْطاً: ضجَّ وأَجلب)، وفي المعجم الرائد («هم في هياط ومياط»: أي في اضطراب وشر)، وفي المعجم الوسيط (هِيَاطُ الهِيَاط يقال: هُمْ في هِياطٍ ومِياطٍ: في شَرٍّ وجَلَبَة).. هذا ما تقوله المعاجم، وهذا ما يفعله المجتمع، ورغم ذلك سيأتي من يتهمني بجلد الذات، رغم أنني لست جلادا، وليس في الأمر ثمة ذات، ومع ذلك سأحاول أن أتجاوز أسئلة تطل برؤوس مدببة كأنها رؤوس نووية، مثل السؤال البيزنطي: هل الهياط ظاهرة جديدة في المجتمع أم إنها ظاهرة فطرية كشفها الإعلام الجديد؟
الملاحظ أن التصرفات التي يتفق المجتمع على تصنيفها هياطا لم تكن جديدة على المجتمعات العربية، إنما اللافت أنها انتقلت من الكناية والمجاز إلى الحقيقة، فمثلا (صبّ السمن على يد الضيف) لم تكن أكثر من كناية للكرم، و(نثر الهيل في المجلس) كانت كناية للرجل يجتمع حوله القوم، ولا يشكك أحد في نواياي ويعتقد أنني ألمز في مخرجات التعليم التي لا تفرق بين الكناية والمجاز والحقيقة، فتخلط الحابل بالحابل (السيد نابل مفقود)، بل أن تعليمنا تخرج منه العلماء والمفكرون والدعاة وأحسن ناس في العالم، ولهذا نستطيع أن ننجو ونقول إن السبب هو التغريب والعلمنة والليبرالية، وإن الحل في مزيد من الوعظ.
لكن اللافت في بعض أساليب الهياط هو تفريغ الحقيقة من رمزيتها، وإظهارها بشكل غريب، يمثل ذلك في طريقة لإشعال النار/ الحطب، فتوضع (شحنة حطب) ويقوم (الوجيه) بإشعالها بطريقة مبتكرة (عن بُعد)، وهذه الطريقة موغلة في السخرية، وإن كان مبتكروها لا يريدون لها أن تكون كذلك، فإشعال النار ارتبط بالذاكرة الجمعية العربية بسيد الجود حاتم الطائي، المفارقة أن حاتم كان يشعل النار لإطعام الجياع وعابري السبيل، أما الكرماء الجدد فيشعلون النار لمجرد الاشتعال، بين شباع يتأرجحون بين السمنة المفرطة وبين الهوس بالضوء، وكان حاتم يحتفي بالضيف فيعتق عبدا، فيما هؤلاء يرسخون بعقل الأطفال من حولهم تصرفات مغلوطة، ويشكّلون - من حيث يشعرون أو لا يشعرون - عقول جيل جديد على قناعات مغلوطة، فإن كان حاتم (يحرر) حقيقة العبيد، فهؤلاء يستعبدون - مجازا - عقول النشء.
وحالات الهياط ليست مقتصرة على الطبقة المتوسطة، فالأغنياء والأثرياء كذلك، لكنهم لم يتباهوا بذلك، ربما عملا بالقول (إذا بليتم فاستتروا)!
السؤال الذي ينبغي أن يطرحه كل منا على نفسه: هل أنا مهايطي؟
شخصيا أؤمن بمقولة (الحكم على الشيء فرع من تصوره)، فقط أهدوني مليونا، وسيارة فاخرة وناقة (مزيونة) وأعدكم بأنني سأترك الكتابة وأجيب على السؤال!
(وعلى طاري المليون المتواضع) سنختم بهذه الطرفة (الحقيقية)، سئل أحد رجال الأعمال: هل تستطيع أن تخبرنا كيف جمعت ثروتك؟
فأجاب: نعم أستطيع أن أخبرك عن كل ريال جمعته، بشرط ألا تسألني كيف حصلت على المليون الأول!
الملاحظ أن التصرفات التي يتفق المجتمع على تصنيفها هياطا لم تكن جديدة على المجتمعات العربية، إنما اللافت أنها انتقلت من الكناية والمجاز إلى الحقيقة، فمثلا (صبّ السمن على يد الضيف) لم تكن أكثر من كناية للكرم، و(نثر الهيل في المجلس) كانت كناية للرجل يجتمع حوله القوم، ولا يشكك أحد في نواياي ويعتقد أنني ألمز في مخرجات التعليم التي لا تفرق بين الكناية والمجاز والحقيقة، فتخلط الحابل بالحابل (السيد نابل مفقود)، بل أن تعليمنا تخرج منه العلماء والمفكرون والدعاة وأحسن ناس في العالم، ولهذا نستطيع أن ننجو ونقول إن السبب هو التغريب والعلمنة والليبرالية، وإن الحل في مزيد من الوعظ.
لكن اللافت في بعض أساليب الهياط هو تفريغ الحقيقة من رمزيتها، وإظهارها بشكل غريب، يمثل ذلك في طريقة لإشعال النار/ الحطب، فتوضع (شحنة حطب) ويقوم (الوجيه) بإشعالها بطريقة مبتكرة (عن بُعد)، وهذه الطريقة موغلة في السخرية، وإن كان مبتكروها لا يريدون لها أن تكون كذلك، فإشعال النار ارتبط بالذاكرة الجمعية العربية بسيد الجود حاتم الطائي، المفارقة أن حاتم كان يشعل النار لإطعام الجياع وعابري السبيل، أما الكرماء الجدد فيشعلون النار لمجرد الاشتعال، بين شباع يتأرجحون بين السمنة المفرطة وبين الهوس بالضوء، وكان حاتم يحتفي بالضيف فيعتق عبدا، فيما هؤلاء يرسخون بعقل الأطفال من حولهم تصرفات مغلوطة، ويشكّلون - من حيث يشعرون أو لا يشعرون - عقول جيل جديد على قناعات مغلوطة، فإن كان حاتم (يحرر) حقيقة العبيد، فهؤلاء يستعبدون - مجازا - عقول النشء.
وحالات الهياط ليست مقتصرة على الطبقة المتوسطة، فالأغنياء والأثرياء كذلك، لكنهم لم يتباهوا بذلك، ربما عملا بالقول (إذا بليتم فاستتروا)!
السؤال الذي ينبغي أن يطرحه كل منا على نفسه: هل أنا مهايطي؟
شخصيا أؤمن بمقولة (الحكم على الشيء فرع من تصوره)، فقط أهدوني مليونا، وسيارة فاخرة وناقة (مزيونة) وأعدكم بأنني سأترك الكتابة وأجيب على السؤال!
(وعلى طاري المليون المتواضع) سنختم بهذه الطرفة (الحقيقية)، سئل أحد رجال الأعمال: هل تستطيع أن تخبرنا كيف جمعت ثروتك؟
فأجاب: نعم أستطيع أن أخبرك عن كل ريال جمعته، بشرط ألا تسألني كيف حصلت على المليون الأول!