معركة الأمعاء الخاوية.. مقاومة الظلم بالجوع

الإضراب عن الطعام سلاح الثوار عبر التاريخ المعاصر
الإضراب عن الطعام سلاح الثوار عبر التاريخ المعاصر

الاحد - 24 يناير 2016

Sun - 24 Jan 2016

أكثر من ستين يوما أمضاها الصحفي الفلسطيني محمد القيق المضرب عن الطعام والمعتقل لدى الاحتلال الإسرائيلي في سجن العفولة. وأشارت زوجته فيحاء شلش إلى أن «العائلة لا تعلم شيئا دقيقا عن حالة زوجها الصحية سوى معلومات من محامين بأن حالته حرجة استدعت نقله إلى المستشفى».

وذكرت الناطقة باسم نادي الأسير أماني سراحنه «أن وضع الأسير محمد القيق صعب وخطير بحسب محامينا الذي زاره في مستشفى العفولة، وهو مصاب بآلام شديدة واخضرار بالأطراف وأوجاع في العين».

وفي ذات السياق مضت أكثر من سبعين يوما على إضراب الأسير الأردني عبدالله أبوجابر عن الطعام في سجون الاحتلال. ونقل أبوجابر إلى مستشفى سجن الرملة بسبب تردي وضعه الصحي، بحسب ما أوضح رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين عيسى قراقع في حديث لـ«مكة».

في غضون ذلك يواصل الصحفي الفلسطيني محمد القيق إضرابه عن الطعام، والذي بدأ قبل أكثر من خمسين يوما، رفضا للاعتقال الإداري بعد أن صدر قرار بحبسه لمدة 6 أشهر، ويرقد الآن بأحد مستشفيات الاحتلال لتردي حالته الصحية. وأوضح قراقع بأن «ظاهرة الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية ليست بالإجراء الجديد، إذ سبق وخاض المعتقلون عشرات الإضرابات، ولكن لوحظ مؤخرا أنها أخذت طابعا فرديا متصاعدا».

الإضرابات الفردية

وأشار رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدوره فارس إلى صاحب ثاني أطول إضراب عن الطعام في التاريخ ياسر العيساوي بمعدل 9 أشهر ما بين 2012 -2013، بعد أن كسر المصري محمد سلطان الرقم القياسي في 2014 بإضرابه الذي استمر أكثر من عام. وأضاف فارس في حديثه إلى «مكة» أن «الإضرابات الفردية حققت الهدف، وهو تسليط الضوء على الاعتقال الإداري، والتسبب بفضيحة دولية لإسرائيل». من جهته أوضح قراقع بأن «إسرائيل تترك الأسرى يخوضون الإضراب بشكل فردي لفترة طويلة، وعندما يتعدى المعتقل 50 يوما، تسعى لإيقافه عن الإضراب».

التغذية القسرية

ولفت قراقع إلى أن «الخطر الآن يأتي في تشريع التغذية القسرية التي أصبحت قانونا في إسرائيل، وبالتالي فإذا ما وصل الأسير إلى مرحلة من الخطر، فإن معها إجازة قانونية بإجباره على التغذية».

وقانون التغذية القسرية هو واحد من 9 قرارات سنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، بحسب هيئة شؤون الأسرى، ويمكّن سلطات الاحتلال من إجراء التغذية القسرية للأسرى المضربين، وصادق الكنيست الإسرائيلي عليه في 30 يوليو 2015. واعتبر الاتحاد العالمي للطب واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمات حقوقية دولية عديدة مثل هيومن رايتس ووتش، التغذية القسرية أسلوبا غير أخلاقي، وسوء معاملة للسجين.

بوبي ساندز.. رمز المقاومة التاريخي

يعد الإضراب عن الطعام ثيمة للتمرد وشكلا من أشكال المقاومة عبر التاريخ، ومثلت تجربة سجناء الجيش الجمهوري الإيرلندي عام 1980 نقطة الانطلاق، بعد أن دفع السجين بوبي ساندز وتسعة من رفاقه حياتهم ثمنا لما آمنوا به عام 1981 وكان الأول بين السجناء المضربين، ليصبح في التاريخ رمزا للمقاومة. وأكد الحقوقي والناشط الإيرلندي آرثر هاريثون بأن «دخول عناصر الجيش الجمهوري في إضراب مفتوح عن الطعام في سجن «ميز» احتجاجا على نكوص السلطات البريطانية، ورفضها اعتبارهم أسرى كالسجناء شبه العسكريين في إيرلندا الشمالية، كان بداية لتجربة عظيمة غيرت كثيرا من المفاهيم الثورية حول العالم بدءا من إيرلندا، مرورا بفلسطين ووصولا إلى كوبا».

وأشار إلى أن تلك التجربة التي قادها بريندان هيوز انتهت قبل حدوث أي حالة وفاة بعد ما أبدت بريطانيا الموافقة على تقديم تنازلات لمطالبهم. ولكن في وقت لاحق تراجع البريطانيون عن تلك الاتفاقية، لذا عاد السجناء في السنة التالية للإضراب، وكان ساندز أول من مات بينهم.

إصرار على المبدأ

وأوضح هاريثون «من المهم الإشارة إلى أن رسالة الباب يوحنا بولس الثاني إلى ساندز في معتقله لم تثنه عن قراره، بل زادته تشبثا بمبادئه واستمر في الإضراب، وكان يرى أن يوم الفداء كما كان يسميه قد حان، ومضى الثوار من خلفه على ذات الدرب من أجل نيل حقوقهم». ويختم هاريثون حديثه لـ«مكة» بالقول «مهما يكن من أمر فإنه يبقى للإضراب عن الطعام تداعياته العنيفة لاسيما على المستوى السياسي، لذا نرى بعض الأنظمة المستبدة تلجأ بكل ما أوتيت من قوة لوقف مثل هذا الأسلوب من المقاومة، ولكن في النهاية تبقى معركة الإرادة أقوى من سياط الجلاد وزبانيته».

قبول التحدي

من جهته يقول المحلل السياسي والناشط جون ميلر «الجيش الجمهوري لم يضع السلاح اعتباطا، وإنما كان الأمر نتيجة عقود من العمل الجاد لجيري ادامز ومارتن ماك جينيس قادة الشين فين -الجناح العسكري للجيش-، قبلوا تحدي إحدى القوى غير القابلة للتغيير في الحياة الإيرلندية وغيروها من الداخل». وأشار إلى أن «الرفاق الذين مهروا هذه القضية بأرواحهم وعلى رأسهم ساندز بعد أن جاعوا حتى الموت، كانت لهم البصمة الأولى في نيل الحقوق. وحولوا بإرادتهم الإضراب عن الطعام إلى سلاح ماض أرعب مخالفيهم وأقض مضاجعهم».

الإضراب انتحار

«من المقرر شرعا أن الإنسان أمين على نفسه، حيث قال الله تعالى «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»، وثبت في السنة حديث النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال فيه «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا». ونهت الشريعة الإسلامية عن تعذيب الإنسان في بدنه حتى لوكان في أداء الطاعات والعبادات، فحكم المضرب عن الطعام حتى الموت أنه منتحر وغير جائز شرعا، حتى ولو كان يتناول تغذية عن طريق أجهزة معينة، فهو يخالف الشرع».

الدكتور أحمد كريمة - أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر

من توفي وهو مضرب عن الطعام فهو قاتل لنفسه، وفاعل مانهى الله سبحانه وتعالى عنه في قوله ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" ويعد من المنتحرين وذلك لان الاضراب عن الطعام وسيلة من وسائل الانتحار

الدكتور عبدالله النجار - عضو مجمع البحوث الإسلامية