المركز الوطني للآثار النبوية الشريفة

السبت - 23 يناير 2016

Sat - 23 Jan 2016

راحة الإنسان في مشاهدات الماضي عبر وسائل وطرق متعددة تصله بذلك الزمن وفق سرعات مختلفة باختلاف الوسيلة والعرض والاستهداف، وحين ذاك يحصل المأمول بأن تسكن النفس ذات التعقل بأن الامتداد الطبيعي للمتغيرات لم يحصل فجأة.

ليس هذا عبثا هو (التراث) ولا تحصيل حاصل بقدر ما هو عمق ثقافي يشحذ من أجله المختصون في الآثار هممهم، لتكون الصورة أوضح والبقايا دالة على جزئيات كثيرة من المندثرات والغائبات، ومن هنا يبدؤون رحلة بناء على بناء فتنضج الثقافة ويتحضر الفكر.

وارتباط التراث والآثار بالمعتقد الديني قديم الأصالة في تاريخ البشرية منذ عرفت الديانة احتياجا من احتياجات الإنسان عند الأغلب من النظريات الفلسفية الاجتماعية، ولكن المنزلق الذي يتسع ويضيق حسب ممارسة الفرد والمجموعة للسلوكيات الدينية جعل من تلمس الآثار والمحافظة على التراث حساسية أيديولوجية في زمن دون زمن وفي مناطق دون أخرى.

أما اليوم وقد أخذت المعرفة صدر المجلس الفكري والنشاط العلمي توفرا وتزايدا وتعددا فلا عذر يجعلنا نحذر من التعاطي مع الآثار النبوية بالذات كقضية استثنائية الأخذ وقد أوتي المجتمع من العلم كثيرا يجعله على جادة الصواب العقدي الواضح.

وهنا أفهم رعاية الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني مشكورة للباحثين والموثقين والمؤرخين المعاصرين لآثار المصطفى صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، لأنها كمؤسسة حكومية معنية بأمانة الاستمساك بالمدلول المادي على التاريخ النبوي فلا يمكن أن تغض الطرف عن نفوس أحبت السير بالإرث النبوي الكريم من قلة المعرفة الجمعية إلى وفرة الاطلاع المتاح.

كم في طيبة الطيبة من أثر له صلى الله عليه وسلم وهي مدينته ومهجره عليه الصلاة والسلام عاش فيها ودفن بها ولا يزال مسجده الشريف شاهدا على ذلك، وقبره المعطر به حاضرا للعيان، وما تلك المواقع والآثار إلا جزء من المكتوب أو المحفوظ أو المتلو من قرآن أو حديث أو قول صحابي جليل نستدل به ديانة وتعبدا، والفصل بين الجزء وجزئه عند الدلالة مناط تخطئه.

نقل المادة السياحية كصناعة فكرية اجتماعية لها طابع روحي أريحي وجدته حاضرا في مساهمات مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة وتعاونه منقطع النظير مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني فقد أخذ على عاتقه تتبع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم وحمايتها من الإهمال أو الاندثار بل وزاد على ذلك تعريفا بها للزوار والمجتمع في عطاء علمي بحت يندر أن يستطيعه مريد أو وارد.

والجميل في هذا التوجه أن البحث العلمي والدراسات للمدينة المنورة تلاقت مع جهد عملي دؤوب، مما هيأ فرصة سانحة لتصحيح كثير من أغاليط الحكايا ومشهور القصص عن مواقع أثرية له صلى الله عليه وسلم حتى فيما يتعلق بالحرم النبوي الشريف وأسطواناته وأماكن محاريبه وحجرات أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن وأبواب المسجد وباحاته.

أملي كبير جدا في شباب مدني من الجنسين ابتدروا هذا الميدان، متمنيا أن تدوم عليهم بركة من ربي تعالى، نظير محبتهم للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن نرى فرعا للهيئة العامة للسياحة والتراث النبوي بالمدينة تحت اسم (المركز الوطني للآثار النبوية الشريفة) يجمع بين العمل التقني المادي المساحي على أرض الواقع والدراسات والبحوث الموثقة ويقدم للمجتمع المدني والمواطن السعودي والزائر المسلم خلاصة طرح وبرنامج اطلاع فيه حبكة ثقافة وضبط تأصيل ومتعة رؤية يستحقها هذا النبي العظيم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

ومواءمة ذلك مع تشجيع السياحة في المدينة المنورة وهي بقعة مباركة من هذا الوطن الكبير متيسرة بعقول مؤهلة أكاديمية وافرة من بنات وأبناء المدينة المنورة ستحقق لهم الفرص الوظيفية في مركزنا الحلم مادة إبداع وناتجا عمليا نفخر به حين ينشط اقتصادنا لا محالة ببركة نبينا صلى الله عليه وسلم ومدينته.

ولعل اختيار المدينة المنورة عاصمة للسياحة الإسلامية 2017م فرصة لتحقيق هذا المقترح.