ربما لا يتبادر إلى ذهن من يغادر المسجد الحرام سالكا شارع إبراهيم الخليل نحو أحياء مكة الجديدة الممتدة جنوبا، أن لموقع تلك الحديقة المهجورة في الجهة اليسرى، والتي يطلق عليها في عصرنا هذا «حديقة المسفلة» تاريخا غائرا في القدم، يروي قصص من كان يستظل بفيء بستانها ومسامرات الأجداد في مقاهيها، إذ كان المكيون يختلفون إلى تلك الناحية القصية من المدينة المقدسة هربا من قسوة مناخها وربما صخب أسواقها.
ولا ينبغي أن يظن أن مكة المكرمة كانت كلها قفر وجدب، فمن رحمة الله على المكيين أن جعل لهم متنزهات وبساتين يلتجئون إليها من القيظ وجفاف المدينة في الأصائل، فكان وراء جبالها وآكامها رياض نضرة ومياه غزيرة في غير جهة من جهاتها، غير أنني في هذا المقام أسعى إلى إبراز بعض تاريخ المكان المتناثر بين سطور كتب التاريخ والرحلات، أو ما ظل مرتسما في خواطر بعض أبنائها. تلك بركة ماجل وبستانها.
فما قصة تلك البركة وما أطوارها التاريخية؟
الماجل لغة: حوض واسع يجمع فيه الماء، ثم يفجر إلى المزارع وغيرها، وقيل كذلك هو كل ماء في أصل جبل أو واد، ولكن المكيون يطيب لهم أن يطلقوا عليها لقب استقر في ذاكرتهم، ألا وهو «بركة ماجد»، أما في المدونات التاريخية وفي أمهات كتب التاريخ المكي فنجد أن المسمى الطاغي، باستثناء تاريخ الأزرقي، هو «بركة ماجن» وعند السباعي في «أوراق مطوية» أن أصلها ماجل فخففها الناس فصارت ماجد.
وعليه، فإنه كان في أصله، ومنذ ما قبل الإسلام، ماجل أبي صلابة، وبه تستنقع المياه الجارية من خلال وادي إبراهيم، حيث إن جغرافية الموقع تمثل أسفل مكة ومنحدرها.
ومن غرائب الأخبار ما أشار له محقق كتاب «شفاء الغرام» للمؤرخ المكي تقي الدين الفاسي، طبعة دار الكتب العلمية في تحقيقه لسور باب الماجن، وهو سور مكة العتيق من جهة اليمن (إلى جانب سور الشبيكة وسور المعلاة) أن موقع بركة ماجل كان سوقا للعرب في الجاهلية، وقد وجدت الآثار التي تشير إلى أنه كان معمورا في قديم الزمان.
على أن الأزرقي، وهو أول من أرخ لمكة وخططها، يذكر أن أول من بنى البركة هو صالح بن عباس بأمر من المأمون سنة 210هـ ضمن منظومة البرك الخمس التي أنشئت لتكون مستودعا ومستقرا لمياه عين زبيدة.
وفي الأرج المسكي، لعلي الطبري أن ثمة بركة في آخر مكة يقال لها «بركة ماجن» وأن الشريف حسن بن عجلان «775 ـ 829هـ» جدد بناء السور الكائن في جهة البركة. ثم يخبرنا النجم ابن فهد في الإتحاف بأن البركة عمرت ونظفت سنة 848هـ بواسطة السيد حسن ناظر الإسكندرية، فأخرج منها ما علق بفعل الزمان والطبيعة ورفع جدرانها الأربعة.
ثم يمضي ابن فهد فيؤرخ لمبتدأ الزراعة فيها في زمانه - سنة 851هـ - فيقول «ثم كثر الزرع فيما بعد حتى صار الآن يطلق عليها بستان بركة ماجن» ولعل هذه أول إشارة تاريخية لجهود استزراع أسفل مكة، إذ لم تكن أكثر من بركة وفي ناحيتها بئر قديمة.
يخبرنا الغازي في إفادة الأنام أن من أنشأ البستان بجانب البركة كان الوزير عثمان بن حميدان المتوفى سنة 1123هـ ويمضي بالقول إنها بئر قديمة غزيرة الماء مربعة الشكل تقريبا ويحيط بها سور.
ويمكن الجمع بين ابن فهد والغازي في أولية استزراع الأرض المتاخمة للبركة بأنه قد تقادم العهد على البستان وأهمل، ثم أعيد إحياؤه في أيام الوزير ابن حميدان.
وفي التاريخ القويم للكردي يصفها بأنها الآن ملآنة وبجانبها بستان الشريف علي بن عبدالله (تولى إمارة مكة في 1323هـ) بعد وفاة الشريف عون الرفيق، ثم لما كثرت حوادث الغرق، رفع الشريف جدرانها الأربعة إذ إنه ارتأى أن ذلك أدنى أن يهلك الناس في عمقها، ولكن الكردي زاد على ذلك بما جرى عليها في زمانه بأنها قد سد سطحها في سنة 1380هـ.
ومما يقتضي العجب، خاصة بعد أن استقر في أذهان الناس صحراوية مكة وجدبها، أن بستان ماجل كان يغذي السوق المكية بسخاء بعدد من الخضراوات والفاكهة قبل أن يغزوها العمران ويهمل خصبها وتبور.
وبهذا يشير إبراهيم رفعت في مرآة الحرمين إلى أن بستان ماجل كان مصدرا للخضروات والفاكهة في زمانه.
في الجزء الثاني طائفة أخرى من أخبار ذلك المكان المهمل، الخليق بالعناية، من أسفل مكة.
• الماجل لغة:
حوض واسع يجمع فيه الماء، ثم يفجر إلى المزارع وغيرها، وقيل كذلك هو كل ماء في أصل جبل أو واد
• أول من بنى البركة هو صالح بن عباس بأمر من المأمون سنة 210هـ ضمن منظومة البرك الخمس التي أنشئت لتكون مستودعا ومستقرا لمياه عين زبيدة
ولا ينبغي أن يظن أن مكة المكرمة كانت كلها قفر وجدب، فمن رحمة الله على المكيين أن جعل لهم متنزهات وبساتين يلتجئون إليها من القيظ وجفاف المدينة في الأصائل، فكان وراء جبالها وآكامها رياض نضرة ومياه غزيرة في غير جهة من جهاتها، غير أنني في هذا المقام أسعى إلى إبراز بعض تاريخ المكان المتناثر بين سطور كتب التاريخ والرحلات، أو ما ظل مرتسما في خواطر بعض أبنائها. تلك بركة ماجل وبستانها.
فما قصة تلك البركة وما أطوارها التاريخية؟
الماجل لغة: حوض واسع يجمع فيه الماء، ثم يفجر إلى المزارع وغيرها، وقيل كذلك هو كل ماء في أصل جبل أو واد، ولكن المكيون يطيب لهم أن يطلقوا عليها لقب استقر في ذاكرتهم، ألا وهو «بركة ماجد»، أما في المدونات التاريخية وفي أمهات كتب التاريخ المكي فنجد أن المسمى الطاغي، باستثناء تاريخ الأزرقي، هو «بركة ماجن» وعند السباعي في «أوراق مطوية» أن أصلها ماجل فخففها الناس فصارت ماجد.
وعليه، فإنه كان في أصله، ومنذ ما قبل الإسلام، ماجل أبي صلابة، وبه تستنقع المياه الجارية من خلال وادي إبراهيم، حيث إن جغرافية الموقع تمثل أسفل مكة ومنحدرها.
ومن غرائب الأخبار ما أشار له محقق كتاب «شفاء الغرام» للمؤرخ المكي تقي الدين الفاسي، طبعة دار الكتب العلمية في تحقيقه لسور باب الماجن، وهو سور مكة العتيق من جهة اليمن (إلى جانب سور الشبيكة وسور المعلاة) أن موقع بركة ماجل كان سوقا للعرب في الجاهلية، وقد وجدت الآثار التي تشير إلى أنه كان معمورا في قديم الزمان.
على أن الأزرقي، وهو أول من أرخ لمكة وخططها، يذكر أن أول من بنى البركة هو صالح بن عباس بأمر من المأمون سنة 210هـ ضمن منظومة البرك الخمس التي أنشئت لتكون مستودعا ومستقرا لمياه عين زبيدة.
وفي الأرج المسكي، لعلي الطبري أن ثمة بركة في آخر مكة يقال لها «بركة ماجن» وأن الشريف حسن بن عجلان «775 ـ 829هـ» جدد بناء السور الكائن في جهة البركة. ثم يخبرنا النجم ابن فهد في الإتحاف بأن البركة عمرت ونظفت سنة 848هـ بواسطة السيد حسن ناظر الإسكندرية، فأخرج منها ما علق بفعل الزمان والطبيعة ورفع جدرانها الأربعة.
ثم يمضي ابن فهد فيؤرخ لمبتدأ الزراعة فيها في زمانه - سنة 851هـ - فيقول «ثم كثر الزرع فيما بعد حتى صار الآن يطلق عليها بستان بركة ماجن» ولعل هذه أول إشارة تاريخية لجهود استزراع أسفل مكة، إذ لم تكن أكثر من بركة وفي ناحيتها بئر قديمة.
يخبرنا الغازي في إفادة الأنام أن من أنشأ البستان بجانب البركة كان الوزير عثمان بن حميدان المتوفى سنة 1123هـ ويمضي بالقول إنها بئر قديمة غزيرة الماء مربعة الشكل تقريبا ويحيط بها سور.
ويمكن الجمع بين ابن فهد والغازي في أولية استزراع الأرض المتاخمة للبركة بأنه قد تقادم العهد على البستان وأهمل، ثم أعيد إحياؤه في أيام الوزير ابن حميدان.
وفي التاريخ القويم للكردي يصفها بأنها الآن ملآنة وبجانبها بستان الشريف علي بن عبدالله (تولى إمارة مكة في 1323هـ) بعد وفاة الشريف عون الرفيق، ثم لما كثرت حوادث الغرق، رفع الشريف جدرانها الأربعة إذ إنه ارتأى أن ذلك أدنى أن يهلك الناس في عمقها، ولكن الكردي زاد على ذلك بما جرى عليها في زمانه بأنها قد سد سطحها في سنة 1380هـ.
ومما يقتضي العجب، خاصة بعد أن استقر في أذهان الناس صحراوية مكة وجدبها، أن بستان ماجل كان يغذي السوق المكية بسخاء بعدد من الخضراوات والفاكهة قبل أن يغزوها العمران ويهمل خصبها وتبور.
وبهذا يشير إبراهيم رفعت في مرآة الحرمين إلى أن بستان ماجل كان مصدرا للخضروات والفاكهة في زمانه.
في الجزء الثاني طائفة أخرى من أخبار ذلك المكان المهمل، الخليق بالعناية، من أسفل مكة.
• الماجل لغة:
حوض واسع يجمع فيه الماء، ثم يفجر إلى المزارع وغيرها، وقيل كذلك هو كل ماء في أصل جبل أو واد
• أول من بنى البركة هو صالح بن عباس بأمر من المأمون سنة 210هـ ضمن منظومة البرك الخمس التي أنشئت لتكون مستودعا ومستقرا لمياه عين زبيدة