سجن التجويع بمضايا

تفاعل
تفاعل

الاثنين - 18 يناير 2016

Mon - 18 Jan 2016

حين نشعر بالجوع نهرع لفتح باب الثلاجة، وفي الأغلب نتذمر من الموجود فيها، نشتري من الأسواق ما لذ وطاب بل ونتضجر من المعروض، هذا حال الكثير!

الأكل ومظاهر الزينة والبذخ تسيطر على حفلاتنا وموائدنا، وتكفي المقاطع والصور التي تغزو وسائل التواصل خير شاهد، فبين أكبر وليمة وأكبر كبسة وبقايا الطعام الصالحة في مكب النفايات، وبين ما نتخم به بيوتنا مما نحتاجه ولا نحتاجه، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وتجاوز عن تقصيرنا بحفظ نعمك .

يلتصق بذاكرتي صور للمزارع بالزبداني ومضايا، مصايف سياحية وأراض زراعية بسوريا، أراض مليئة بمياه الينابيع والخيرات، تلذذت بأطيب الطعام والفواكه فيها، والبساتين الممتدة من الكرز والدراق والخوخ ومنظر التوت المتدلي من أشجارها ورائحة السنديان، ونسمات الهواء العليل.

في آخر زيارة لي قبل 7 سنوات استمتعت بتكرار هذه المشاهد التي ألفتها، كل هذا من الماضي لعل زيارة لـGoogle map تتيح للمتصفح التعرف على الموقع والاطلاع على صور لها تحكي جمالها، وبنظرة متمعنة لحقيقة الواقع البشع في إحدى القنوات الإخبارية ترى الدمار والفقر والجفاف بالمنطقة والموت قد خيم على سكانها، ووجوه الأطفال الميتة والضعيفة والهياكل العظمية.

حُرقت الأراضي الزراعية حُرقت أشجار الزيتون، هُجر السكان من الزبداني إلى بلودان ومن ثم هجر الناس لمضايا.. وهكذا دواليك، الناس تهرب من أرض لأخرى ويلاحقها الموت والدمار.

في مضايا وعلى مساحة أقل من 100كلم2 بلغ عدد السكان40 ألف نسمة إثر الهجرات والضغط السكاني، الموقع الجغرافي لمضايا جعلها بين فكي أسد، حزب الله من جهة ونظام حزب البعث من جهة. سلاح التجويع والبرد والصقيع والحصار في وجه العديد من المناطق داريا، المعظمية، بقين ..الخ، والله أعلم كم مضايا سوف تظهر باستمرار الصمت العالمي ورد النظام على لسان الجعفري بالأمم المتحدة عن كذب المشاهد! كل هذا لأن هذه المناطق صرخت بوجه النظام ومانعته مع بداية الثورة، حُبسوا وعذبوا وقتلوا قصفوا وهُجروا وجُوعوا وزرعت الأراضي ألغاماً حتى يكون التفجير والأشلاء مصير الفارين من التجويع.

كل هذا ولم يرتو ظمأ السُعار الذي أصاب النظام بعد، ماذا عسانا نفعل؟ هل تكرار المشاهد وتعودنا عليها وقول (مساكين) حل. الذي يحصل أننا ننظر لمشاهد الجوع ونحن نأكل ولا تعتصر أفئدتنا إلا من رحم ربي، الدعاء وتقديم الدعم المادي للمنظمات الإغاثية التي تُعنى بمناطق الحصار، والمناشدة الدولية لفك الحصار أمرٌ لا بد منه، وإن يئسنا من الشجب والاستنكار لزمنا متابعة النداء. ولعل شكر النعم وحفظها والبعد عن الإسراف أحد الأمور التي يجب أن لا نغفل عنها حتى تدوم النعم في بلدنا. فرج الله عن المضطهدين في كل بقاع الأرض.