توقفوا عن العبث بسمعة الوطن

الاثنين - 18 يناير 2016

Mon - 18 Jan 2016

لدي حساسية مفرطة تجاه نقد حال التعليم والكتابة عنه، وحاولت مرارا وتكرارا تجنب الكتابة عنه لكني أفشل في ذلك، وأعود وأكتب وأنتقد التعليم رغبة في إصلاحه لقناعات تولدت من عشرات السنين، وازدادت في السنوات الأخيرة. نتفق جميعا رغم اختلاف توجهاتنا وقناعاتنا أن المحطة الأولى لركوب قطار التقدم والرقي هو التعليم، ولدي إيمان بمقولة «بالتعليم تسود الأمم»، «وامنحني تعليما متميزا.. أمنحك مجتمعا متحضرا واقتصادا منتجا ومميزا».

هذه القناعات هي المحرك الرئيس للكتابة عن التعليم، والسلوكيات التي ترتكبها بعض مؤسسات التعليم بين الفينة والأخرى، تفتح شهية الكتابة عن مؤسساته المتعددة التي تفاجئك بعد كل حين بشيء خارج للعادة، ولعل آخرها ما كشفت عنه هيئة مكافحة الفساد «نزاهة» عن تجاوز إحدى الجامعات بدفع أكثر من مليوني دولار بما يعادل نحو (7.5) ملايين ريال سعودي لأحد المعاهد في أستراليا لرفع تصنيفها بين الجامعات العالمية.

وبغض النظر عن اسم الجامعة التي ارتكبت هذا السلوك، فهو لا يهمنا كثيرا، لكنها إن كانت من الجامعات الحديثة فهي مصيبة، وإن كانت إحدى الجامعات العريقة فالمصيبة أعظم، وما يهمنا هو السلوك، فهو لا يمكن أن يصدر من جهة لديها شيء من «النزاهة»، وأن الضمير الأخلاقي والمهني لدى هذه الجامعة بقضها وقضيضها مات ولا يمكن إحياؤه، وإلا كيف تقبل بهذا السلوك؟ وكيف يمكن لها أن تبرره لنا؟ أما في هذه الجامعة رجل نزيه يقف في وجه مثل هذه الممارسات؟.

فالجامعة المذكورة لم تكلف نفسها عناء تطوير نفسها وبحوثها وإنتاجها العلمي لتضمن لها مكانا متقدما بين الجامعات العالمية، ولجأت إلى دفع رشوة محرمة شرعا وقانونا، أيا كان مسمى البند الذي دفعت تحته، فلا يمكن أن تسمى غير ذلك، هذا السلوك الذي ينم عن واقع لا يمكن إنكاره، يؤكد أن الجامعة فقدت الأمل في تطوير نفسها ومخرجاتها وإنتاجها العلمي، وفقدت الأمل في الحصول على تصنيف مرتفع من خلال الطرق الصحيحة والسليمة، ولجأت لمثل هذا السلوك للبحث عن البرستيج والبروبقندا الإعلامية تتطلب منها تقديم نفسها في هذا التصنيف سواء كانت تنطبق عليها المعايير أو لا.

هذا المبلغ الذي دُفع للمعهد كيف تم تمريره على الجهات الرقابية داخل الجامعة مثل وحدة المراجعة المالية في الجامعة؟ وكيف تم تمريره من قبل الممثل المالي التابع لوزارة المالية الذي يراجع الدورة المستندية لأي مبلغ يتم صرفه؟ وتحت أي بند تم صرفه؟، ومتى دُفع لهذا المعهد؟ وهل هذا المعهد هو المؤسسة الوحيدة التي دفع لها مثل هذا المبلغ أم إن هناك مؤسسات أخرى تنال نصيبها لم تكتشف بعد؟

هذه الأسئلة قد تكشف أن هذا السلوك يتكرر سنويا إذا ما علمنا أن هذه التصنيفات تصدر سنويا من قبل مؤسسات متعددة أخرى؟ فقد تكون الجامعة دفعت مثل هذا المبلغ أو أكثر لمؤسسات تصنيف أخرى، وماذا عن باقي الجامعات الأخرى إذا ما علمنا أن هناك سباقا محموما من قبلها على هذه التصنيفات.

الخبر الذي نشر قبل يومين لم يحدد الكيفية أو الطرق أو الأساليب التي يمكن أن يساهم هذا المعهد بها في رفع تصنيف هذه الجامعة بين الجامعات العالمية، وهل هذا المعهد من الجهات المعتمدة لإصدار مثل هذا التصنيفات ذائعة الصيت أم لا؟ كل هذه الأسئلة مهمة جدا لوضع النقاط على الحروف.

شخصيا - وقد أكون مخطئا في ذلك - لا أتوقع أن يكون هذا المعهد من مؤسسات التصنيف العريقة، فالمؤسسات العريقة لا تقبل أن تغامر بسمعتها العالمية ومهنيتها مقابل مبلغ مالي قد تخسر أكبر منه في حال اكتشاف هذا السلوك، وأعتقد أن ما تم كشفه قد يمثل رأس الجليد، وما خفي أعظم.

سبق أن طالبت في مقال سابق بفتح الجامعات أمام الجهات الرقابية والتحقيقية، وسنتكشف ما لا يخطر على ذي بال من ممارسات سلبية ومخالفات مالية وإدارية.

ختاما، هذا السلوك ستتلقفه الصحافة العالمية، وسيكون مادة دسمة في الأيام المقبلة، وسيضر بسمعة مؤسسات الوطن التعليمية بأكملها، وستكون محل شك، وموضع تهمة.

لذلك أقول لمثل هذه الجامعة وغيرها من المؤسسات التعليمية وغير التعليمية التي تمارس مثل هذه السلوكيات السليبة، توقفوا عن العبث بسمعة الوطن، فأنتم لا تمثلون إلا أنفسكم فقط، أنتم محسوبون على وطن تهمنا سمعته وقيمه الأخلاقية أكثر من وهم التصنيفات التي تبحثون عنها.

[email protected]