العالم أكثر إيمانا.. وعنفا

الاحد - 17 يناير 2016

Sun - 17 Jan 2016

الوضع الطبيعي أنه عندما تزيد معدلات إيمان البشر ويتوجهون نحو الدين -كون الإنسان متدينا بالفطرة- يزيد تسامحهم. ولكن يبدو أن هناك حلقة مفقودة في هذه الحقيقة الواقعية الملموسة والمثبتة بالإحصائيات على مستوى العالم.

هذه الموجة العالمية من التدين يحصد أعلى معدلاتها الإسلام، باعتناقه من أصحاب الديانات الأخرى، أو ممن جرب شتى المعتقدات، ومنهم من كان خالي الذهن لا يعترف بغير مادية العالم. وحتى الغرب الذي خرج من الحروب الدينية واتجه بكلياته للتخلي عن الدين ومحاربته وصده على مستوى الدول بعقيدتها العلمانية، إلا أنه عاد على مستوى الأفراد، ومنهم من يتعمق أكثر في ديانته التي ألفى عليها آباءه، وكثيرون منهم يدخلون الإسلام عن إيمان ومحبة.

تحمل هذه الأوبة في طياتها أحداث عنف ونزوعا نحو السلام غير المُدرك حاليا، وذلك لأسباب يمكن إجمالها في ثلاث نقاط. الأولى هي أن ظاهرة التدين بهذه الكثافة قد تبدو صادقة إلى حد ما، ولكن يشوبها النزوع إلى قومية أو إثنية معينة، مما يجعلها يغلب عليها التطييف الديني أو السياسي. وهنا يضيع مفهوم النزوع نحو الدين الذي يختلف عن مفاهيم التدين، وقليلٌ من يفطن إلى التفريق بين المفهومين. وهو كما ذكر الدكتور يوسف زيدان الكاتب والمفكر المصري الشهير، أن الدين في الأصل إلهيٌ والتدين تنوعٌ إنساني.

أما النقطة الثانية فهي أن حالات التدين الآن هي مظهرية أكثر منها جوهرية. وبالرغم من أن هناك شعرة فقط بين الحالتين، ولا يمكن لأحد أن يدخل قلب الآخر لتبين درجة إيمانه، فإن طغيان المظاهر يخدع ويغيب المعرفة العميقة للدين.

أما النقطة الثالثة فهي البحث عن فردوس وسلام مفقودين في هذا العالم المتناحر. ولعل العنف الذي التصق بهذا التوجه ليس من صميم الدين لا من قريب أو بعيد. ولكن نجد أن توجه الناس في أنحاء العالم نحو التدين غالبا ما يرافقه جهلٌ بأحكام الدين ومقاصد الشريعة الغراء، ولذلك يظهر الغلو والتطرف وسرعة استقطابهم من الجماعات الإرهابية.

كما أن اختيار الإسلام دينا لكثيرين تقف اللغة حاجزا في طريق فهمهم له بصورته الصحيحة، يجعلهم يتمسكون ببعض ويتركون بعضا.

ونجد هذه النماذج ماثلة عند جماعات بشرية في وسط وغرب أفريقيا، ممن لا يتحدثون العربية ولا اللغات الرسمية المعروفة، لأنهم في الغالب من الفئات الفقيرة المحرومة من التعليم في بلادها، ولكن أنار الله قلبها بالإيمان. وكذلك جماعات بشرية في شرقي آسيا وغيرها. وهنا يظهر قصور العلماء في معالجة مثل هذه الحالات، ومد يد العون لها بالرغم من جهود منظمات الدعوة الإسلامية.

تحضرني هنا قصة للكاتب الأمريكي الهندي الأصل (أمارتيا سن) الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وقصته التي حفزته لتأليف كتابه «الهوية والعنف: وهم المصير الحتمي»، تنطلق من حادث محدد كان قد عاشه عندما كان في حوالي العاشرة من عمره في بلدته مع أهله عام 1944م. فذات يوم وجد رجلا مضرجا بدمه عند باب حديقة المنزل، كان مطعونا بعدة طعنات من آلة حادة، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يشاهد فيها الطفل مثل ذلك العنف، لكن المشهد لم يبارح مخيلته طيلة حياته، ومنذ ذلك اليوم طرح على نفسه سؤالا كبيرا: لماذا قتلوا ذلك الرجل؟.

وكانت الإجابة الوحيدة التي توصل إليها هي أنه قد فقد حياته لسبب واحد هو أنه كان مسلما، وأن سوء حظه قد دفعه إلى أن يكون في المكان السيئ وفي اللحظة السيئة، بحيث تضافرت الشروط لارتكاب الجريمة، وخاصة توفر خلفية الحقد وعدم التسامح حيال الآخر، لكونه هو الآخر وسط طائفة الهندوس، دون أن يختار ذلك.

[email protected]