عام العز.. قرارات حاسمة ومواقف حازمة

السوق
السوق

الاحد - 17 يناير 2016

Sun - 17 Jan 2016

كنت قد كتبت في مقالة سابقة منذ فترة تعقيبا على رسالة الكترونية لسمو الشيخ محمد بن راشد، حول موضوع «هل تهرم الدول» ؟! وكانت الخاتمة هي الإجابة بنعم على هذا الطرح المتبادل. فالدول ككل الكائنات والصروح تهرم بفعل الزمن وأسبابه، وهو ما يفعله بالإنسان ذاته، فلا شيء يبقى على حاله في هذا الكون، سوى رب الكون جلّ وعلا، حتى الجبال تأخذ من صلابتها عوامل التعرية، والأُسد تأخذ من قوتها عوامل السنين.

ولقد كانت هذه الحقيقة الكونية المؤكدة، في مرمى بصر خادم الحرمين الشريفين الملك المفدّى سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، الملك القائد والزعيم الرائد، الذي احتفلت المملكة العربية السعودية بمرور عام على بيعته الميمونة المباركة من شعبه الوفي البار، بعد وداع سلفه الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

بعدما أمسى التلاحم، ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية، والولاء، والحب والوفاء، أوثق ما يربط قيادة المملكة بشعبها، الأمر الذي رسّخ دائما وعلى مدى العهود الماضية، النظرة الإيجابية، والرؤية الصادقة لهذه القيادة السعودية الحكيمة من كل الأشقاء والأصدقاء والزعماء في كل أنحاء المعمورة.

ومن هذه القاعدة الأصيلة، ومن هذه القاعدة الثابتة، واصل خادم الحرمين الشريفين الملك المفدّى سلمان بن عبدالعزيز المسيرة الظافرة، وانطلق، يحفظه الله، ومنذ اليوم الأول يعيد للدولة شبابها ويضخّ في عروقها دماء الأمل، فامتلأت أوردتها قوة ونقاء، فكانت البيعة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد، محفوفين بحب الشعب، ومستظلين برعاية الله أولا، ثم برعاية خادم الحرمين الشريفين، يرعاهم الله.

وهكذا فقد كان واضحا جليا لكل المتابعين، أن المملكة العربية السعودية منطلقة بتوفيق الله ثم بحكمة قائدها نحو قادم مشرق مزدهر.

ولا يستطيع أي منصف أن يدّعي أنه كان عاما سهلا كغيره من كثير من الأعوام، لا بل واجهت فيه المملكة حجما كبيرا من الأحقاد التي زرعها وأراد أن يقطف ثمارها أعداء الحياة وصنّاع الخراب وأرباب الفوضى. ولكن نصر الله كان حليفا لصنّاع الحياة، وبناة الخير ودعاة الأمن والاستقرار.

واستطاع الملك بحزمه وعزمه المتوج بتوفيق مولاه، أن يتخطى كيد الحاقدين وأن يتجاوز مكرهم إلى البَر الأمين.

وليمتحن الله عزم المخلصين، وصبر الصابرين، حدث ذلك الانخفاض الكبير في أسعار البترول، السلعة الأكبر التي يعتمد عليها، بعد الله، الاقتصاد السعودي، ورغم ذلك لم تتأخر الميزانية العامة للدولة عن الصدور، وجاءت موازنة بين الأمور، وجاءت فاتحة لعهد جديد من تنوع مصادر الدخل، داعية إلى مشاركة فاعلة من الجناح الاقتصادي الآخر للمملكة، القطاع الخاص، ولأن الشعب السعودي يثق بربه ثم بقيادته، استمرت القافلة السعودية في المسير، وحادي الأمل ينشد لها مواويل الاستبشار ويعزف مقطوعات الفرح بمرور العام الأول من قيادة سلمان بن عبدالعزيز لهذه الأمة الواحدة ولهذا الشعب الموحّد..

عام زاخر بالقرارات الحاسمة والمواقف الحازمة، التي زادت الناس ثقة وعنفوانا. فقد أراد الله ثم رغب الملك في أن تصبح المملكة العربية السعودية في هذا الزمن المضطرب المشحون بالخلافات الإقليمية والعالمية، صاحبة القرار في كل شأن يخصها وأشقاءها الخليجيين والعرب، ويخص الإسلام والمسلمين، دون مشورة من أحد ودون انتظار لرأي أحد، فأمسى سلمان في عام قائدا للأمتين العربية والإسلامية، وأمست القوات السعودية المسلحة تدافع مع أشقائها عن الأمة بأسرها لتعلي كلمة الله وراية الحق، ردعا للمتلاعبين بمقّدراتها، ودحرا للمتآمرين على أمنها وسلامتها.

وتحولت السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية إلى صانع للقرار الدولي، ومانع للاستغلال المذهبي والطائفي المقيت لفئة اعتادت المزج بين الحق والباطل وبين الوهم والحقيقة.

لقد أمست الرياض عاصمتنا الحبيبة في هذا العام، وستظل بحول الله ملتقى كبيرا للاتصالات والمشاورات العربية والعالمية، زارها معظم رؤساء العالم مقتنعين بأنها حجر الزاوية لعلاقات العالم بهذه المنطقة الحيوية من الدنيا، وعُقِدت بها مختلف أنواع القمم، وخرجت منها قرارات الحزم والأمل، ودعت لتحالف عربي ثم إسلامي لمكافحة الإرهاب، وكانت نعم دائما هي الجواب.

وأحمد الله أن الأيام قد أسعدتني بالتعرف إلى هذا الملك الجليل، منذ أن كان أميرا للرياض، وكانت الرياض منطلقي في العمل الحكومي أو الخاص، فقد كان عضيدا لكل إخوته الملوك، يرحمهم الله، وظل وسيبقى المهندس الحضاري لعاصمة المملكة التي يفخر كل مواطن وعربي بما تم لها وفيها من حضارة ورقي، حتى غدت واحدة من جميلات المدن العربية، بغض النظر عمن تعاقب على أمانتها، فقد كانت لها مظلة كبرى «الهيئة العليا لتطوير الرياض» وكانت نموذجا يحتذى عند الشروع في أي مشروع من هذا النوع التطويري والحضاري.

ورغم ما تقوله الحقائق والأرقام عن حجم الجهد والبذل الذي رافق الملك سلمان في كل فترات عمره المديد، بحول الله، تبقى الحقيقة الإنسانية الكبرى التي لم يسمح لكل مشاغله أن تشغله عنها، ألا وهي التواصل الدائم مع مجتمعه، أسرة وشعبا دون تمييز، لا يشغله شيء عن حضور المناسبات الخاصة والعامة، ولا يمنعه التزام من المشاركة الوجدانية لكل الناس.

نعم لقد كان عاما حافلا وحافزا على كل الأصعدة، تمت فيه قرارات أعادت الشباب إلى قسمات الوجه السعودي الأصيل حين تم تعيين عدد من الشباب في مناصب قيادية ومناصب عليا، وألغيت بعض اللجان والمجالس العليا، وتم إنشاء مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.

وفي هذا العهد الزاهر وفي عامه الأول، شاركت المرأة السعودية للمرة الأولى في العملية الانتخابية للمجالس البلدية منتخَبة وناخبة، وتمت الموافقة على نظام رسوم الأراضي البيضاء، خدمة للمواطنين للحصول على مساكن خاصة بكلفة أقل، وتم تأسيس المجلس الأعلى لأرامكو السعودية، وإنشاء هيئة توليد الوظائف لتوفير مزيد من فرص العمل لشباب الوطن وشاباته.

أعلم أن الوقت لا يسمح لي بمتابعة كل الإنجازات في عام العزّ هذا، ولكن الأعمال العظيمة لا تحتاج إلى كثير كلام، ولكنها تتطلب منّا شكر الله المنعم، والدعاء الصادق لخادم الحرمين الشريفين بالتوفيق الدائم والصحة والسعادة، مصحوبا بدعائنا لمساعديه الوفيين، ولي العهد، وولي ولي العهد، حفظهما الله، وحفظ لنا ولهما قائد المسيرة سلمان بن عبدالعزيز، وكل عام والوطن بخير.