جدة التاريخية.. المبادرات الفردية لا تكفي

الأحد - 17 يناير 2016

Sun - 17 Jan 2016

سعدت نهاية الأسبوع الماضي بزيارة مهرجان «كنا كدا» في جدة التاريخية بصحبة العائلة، وقد أكرمني العمدة عبدالصمد محمد عبدالصمد والمهندس طلال سمرقندي بحفاوة استقبال وحُسْن رفقة في جولة على بعض أرجاء أحياء جدة التاريخية..

وقد لفتني البِشْر الذي علا وجوه المشاركين في تنظيم فعاليات المهرجان وكذلك الزائرون، وما تم استحداثه من فعاليات في هذه الدورة من المهرجان..

وفرحت بالمبادرات الفردية التي بادر إليها بعض أهالي جدة وغيرهم من ترميم وتأهيل لبعض البيوت لإقامة بعض الفعاليات ولاستقبال الزوار.. وبعضها مبادرات نابعة من شعور بالمسؤولية تجاه تراث المجتمع وتاريخ الوطن بصرف النظر عن العوائد على الاستثمار فيها..

وأنتهز هذه الفرصة لأحيي محافظ محافظة جدة صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد وأهنئه بمناسبة إقامة المهرجان ونجاحه الذي عكسه الإقبال الكبير عليه، وأشد على يديه وأضع مقترحاتي في هذا المقال تحت أنظاره وبين يديه متمنيا على سموه تبنيها وتحقيقها على أرض الواقع..

فالملاحظ أن غالبية الحراك الذي يحدثه المهرجان على المستوى التراثي والتاريخي والسياحي هو حراك موقت بأيام معدودة من كل عام، وأن غالبية البيوت في الجهة الشمالية من جدة التاريخية لا تزال خالية من السكان والأسواق ومن الفعاليات الدائمة لجذب الزوار والسياح على مدار العام.. وهي في حاجة إلى مشاريع كبرى للصيانة والترميم، وبعضها إلى هدم وإعادة البناء على شكلها وأصولها من جديد..

وأثناء تجولي في أزقة وبرحات أحياء جدة التاريخية (اليمن والشام والبحر والمظلوم) تذكرت الأحياء التاريخية في مدن الأندلس، مثل أحياء غرناطة وقرطبة وإشبيلية؛ بل وحتى مدريد وبرشلونة.. هناك العناية بالأحياء التاريخية بادية، سواء من جهة البنى التحتية والمرافق أو النظافة أو فرص التجارة وتوافر الفنادق والشقق والمطاعم حتى أضحت جاذبة للسيّاح على مدار الأيام ومن كل أنحاء العالم..

وفي ظني أن جدة - ومدنا أخرى في المملكة - بها أحياء تاريخية مهيأة لتكون مصدرا ملهما للتاريخ والتراث والثقافة والسياحة والتجارة ورافدا مهما لتنويع مصادر الدخل الوطني.. فما شاهدته أثناء جولتي في أحياء جدة التاريخية يؤكد أنه من الممكن تحقيق كل ما ذكرت ولكن شريطة أن تأخذ الدولة زمام المبادرة إلى تمويل تأهيلها لتكون مكانا لتحقيق عدد من المنافع في آن واحد: التاريخ والتراث والثقافة والسياحة والتجارة والتنمية المستدامة في مدينة جدة.. وذلك من خلال تمويل تأسيس بنية تحتية حديثة متكاملة وكذلك تمويل ترميم البيوت جزئيا وكليا بمبالغ غير مستردة واعتبارها تأسيسا لمنافع عامة، لأن ملكية معظم البيوت ما بين أوقاف خيرية - وهذه تمول كليا -، وبين أملاك آلت ملكيتها لورثة من الجيل الأول والثاني والثالث، وسيكون من الصعب التواصل معهم، فضلا عن إقناعهم بالاستثمار في ترميم بيت يملك كل منهم فيه حصة ضئيلة..

وأما الركون إلى المبادرات الفردية في تطوير الأحياء التاريخية فلن يكون مجديا وسيستغرق عشرات السنين، إن لم نقل أكثر من ذلك، للاعتبارات المتعلقة بالبنية التحتية وبالملكيات الخاصة والأوقاف، وكذلك المعرفة بتقنيات ترميم المباني القديمة وتكاليفها المرتفعة التي قد لا يستطيع الملّاك تحملها وتجعل جدواها الاقتصادية غير متوافرة أو ضعيفة وغير مشجعة على الاستثمار فيها.. وهو ما قد يحبط مشاريع التنمية المستدامة والمنافع المأمولة من العناية بالأحياء التاريخية في جدة وغيرها.. والله الموفق..

faez.j@makkahnp.com