طلائع النور

تفاعل
تفاعل

السبت - 16 يناير 2016

Sat - 16 Jan 2016

قريقوري .. صديق جديد.. فرنسي أبا عن جد.. اسمه موغل في التاريخ المسيحي الأوروبي.. فأول من وضع التقويم الميلادي كان البابا قريقوري وعليه سمي التقويم gregorian منذ أكثر من ألف عام في روما..عرفته في ظروف العمل الجديد وكنت أرتب لموسم الحج والترخيص لطائرة مستأجرة فرنسية لنقل حجاج بنجلاديش..عندما أخبرته عن علاقة اسمه بالتقويم الميلادي قال ضاحكا سأغير اسمي إلى هجري.

وصل قريقوري صباحا مع زميله سفيان الفرنسي المولود من أصول عربية الموكل معه من الشركة للإشراف على سير العمليات في مطار جدة.

التقيت بهما في المكتب مرحبا بوصولهما ومعتذرا عن التأخير في إنهاء إجراءات وصولهما لأسباب خارجة عن إرادة الشركة.. غادرا المكتب إلى الفندق على أن نكمل بقية الترتيبات غدا.. وقد لمست فيه صفاء وهدوء وعمقا، ولمست في رفيقه سفيان حيوية وتحفزا ونشاطا وهي الانطباعات الأولى التي يتركها الإنسان لديك عندما تلقاه للمرة الأولى.

وكانت المفارقة الأولى عندما رفضت شركة تأجير السيارات تسليمهما السيارة المحجوزة لهما بحجة أن رخصة القيادة لديهما منتهية، الأمر الذي استغربته ولكنه أوضح لي بأن القانون في فرنسا يمنحك الرخصة مدى الحياة ولكن تسحب منك إن تجاوزت أخطاؤك اثني عشر خطأ.. تذكرت لحظتها زميلنا اللبناني الذي صدرت رخصته في جدة واكتفى المرور بكتابة التاريخ الهجري وتفاجأ في مطار باريس برفض شركة التأجير لرخصته بحجة أنها منتهية منذ ستمائة عام.

التقيت بعدها مع قريقوري في المطار لمراجعة إدارة الطيران عرفت يومها أنه مسلم وقد حج منذ أربع سنوات مع زوجته، أما رفيقه فلم يسبق أن حج أو اعتمر وكانا حريصين على أداء الصلاة في وقتها ذكرني وأنا في معمعة العمل أن حان الظهر وأن حان العصر وليس ذلك من العجب ليكون موضوعا للكتابة فما أكثر المسلمين الذين نراهم في جوامع أوروبا وأمريكا في الصلاة وخاصة يوم الجمعة.. ولكن العجيب أن يتعلم قريقوري أصول الفقه واللغة العربية على يد أمريكي من بروكلين في نيويورك درس في موريتانيا واسمه الجديد مخلص بن لنزو ويكنى أبوتوبة أسلم منذ عشرين عاما وله ثلاث بنات حفظن القرآن من سن السادسة وهو من أصول لاتينية (أمريكا الجنوبية).

لاحظت قريقوري يراجع في أوقات الانتظار أبيات منظومة الأجرومية للشيخ الأجرومي والأعجب أن الشيخ أو المعلم الأمريكي نظم بالإنجليزية أبياتا تشرح النحو والصرف في العربية لغير الناطقين بها على طريقة الألفية).

وهذا مما يحفظه أخونا قريقوري أو أبوسمية كما قال لي حيث إنه أعجب بالاسم وأطلقه على ابنته وعمرها الآن أقل من عام يحرص أن تنشأ نشأة إسلامية ويتمنى أن تعيش في مدينة مثل جدة، أراد الله أن نذهب ثلاثتنا يوم الجمعة إلى مكة لأداء العمرة.. وكانت تجربته الأولى بعد الحج منذ أربع سنوات وكانت عمرة سفيان الأولى ورحلته الأولى التي يرى فيها الكعبة، قال لي يومها ثلاث مرات أنها أغلى هدية تصله في حياته، وكانت تجربة رائعة أشعرتني بتقصيري وتهاوني في كثير من أموري وأولها عندما أخذت معهم كأس ماء زمزم بعد الطواف شربت وشرب سفيان أما قريقوري فقد انتحى جانبا وجلس ثم شرب حرصا على السنة.

كان يتكلم عن إحساسه بالأمان والطمأنينة في هذا المكان ووجهه يتلألأ نورا.. أما سفيان فقد انخرط في البكاء عندما استقبل الكعبة في الدعاء فتركناه يسكب عبراته عسى أن يذكرنا في دعائه.

أصر قريقوري بعد العمرة أن يحلق رأسه وكذلك سفيان واكتفيت بالتقصير، وحين عودتنا كان الحوار أكثر عمقا وأكثر تفصيلا، ومن أغرب ما قال قصة صديقه الفرنسي المسلم الملتحي الذي لم يقبل في عمل بسبب مظهره ولكنه كان حريصا على إعفاء لحيته ورفضته الشركات التي تقدم لها فنيا في صيانة الساعات، لكنه فوجئ يوما باتصال من شركة سبقت ورفضته فقال لهم: ما زلت ملتحيا وقد رفضتموني لذلك، فقالوا له نعم، ولكن نتصل بك اليوم، لهذا أبق لحيتك وتعال! وكانت المفاجأة أو الفرحة أن يعمل الرجل مع فريق صيانة الساعة العملاقة في البرج المطل على الحرم برج الساعة ويسكن مكة المكرمة وحق قوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب).