ذو الشماغ بعد الدوام

السبت - 16 يناير 2016

Sat - 16 Jan 2016

حسنا، أعترف أننا نحن الكتاب نميل إلى تتبع القصور والأخطاء والإشارة إليهما أحيانا من وراء حجاب، وأحيانا أخرى عيانا بيانا بدون أي تنميق. لا نفعل ذلك لأننا نعشق الكآبة، ونهوى إظهار الناس والأوضاع بشكل سيئ (رغم أن البعض كذلك). ولكن استشعارا للمسؤولية بدورنا نحو المجتمع ونحو الوطن، فرب كلمة تصنع فرقا أو تصلح شأنا. لذا من باب إحقاق الحق ومبدأ الشفافية في إظهار الواقع كما هو سأكتب عن تجربتي قبل يومين في دائرة حكومية.

خرجت على عجالة الساعة الواحدة ظهرا من يوم الثلاثاء الماضي، متوجهة إلى كتابة العدل الثانية في منطقة البلد بجدة. كان الازدحام خانقا، بالإضافة إلى أنني ضعت في الطريق، فوجدت نفسي أصل هناك قبل خمس دقائق من انتهاء الدوام الرسمي. دخلت المبنى وكان الموظفون مغادرين وقال لي أحدهم حال رآني (يا أختي الدوام انتهى) لم أناقش والتفت وأنا أجر أذيال الخيبة على تعطل مصلحتي. لأفاجأ بنفس الشخص يقول لي (طيب يا أختي إيش شغلتك) وحين أخبرته وجدته يقول لي (طيب اتفضلي) وهو يشير إلى زميله لخدمة شخص آخر. طلب مني الموظف البيانات، ففتحت جوالي لاستخراجها فوجدت البطارية على آخرها، لأجد نفسي بكل إحراج أطلب منه أن يشبك لي سلك الشاحن. الأكثر إحراجا هو أن الناس استمروا في الدخول وأصبحوا يطالبون بأن يخدموا طالما أن الموظف جالس على مكتبه. لأفاجأ أكثر برحابة صدر الموظف وأسلوب رده شديد التعاطف والاحترام مع المراجعين. الساعة الآن تشير إلى الثانية والنصف وأنا أتوجه إلى مكتب (الشيخ) لأتسلم المعاملة، لأجد سيدة رأيتها أتت بعدي تجلس إلى المكتب ومن الواضح أن معاملتها معقدة والموظف بكل هدوء يسألها ويدخل البيانات. طلب مني بكل أدب أن أتفضل بالانتظار، وحين رأى اثنين من الرجال المراجعين طلب منهم الانتظار في الخارج احتراما - كما أشار - للعوائل. حين جاء دوري كانت الساعة تشير إلى الثانية و45 دقيقة، فشكرته لأنهم يخدموننا رغم انتهاء الدوام، لأجده يقول: (يا أختي الناس هنا تجي لحاجة والله سخرنا لخدمتهم وأكرمنا بالأجر).

لطالما كتبت عن الدوائر الحكومية وبيروقراطيتها، وعن الموظفين الحكوميين وتقاعسهم ونمطيتهم. ولطالما نظرنا كمجتمع لمن لديهم لحى ويرتدون الشماغ بدون عقال (المطوعين) خاصة نحن النساء برهبة وخوف من التقريع أو الجلافة في التعامل. ليأتي هذا الموقف ويرد على ما كنت أعتقده فعلا وليس قولا، تجربة وليس نقلا. وكتبته ليكون درسا لنا جميعا في التخلص من طبع التعميم المقيت، والحكم بالمظاهر الشنيع. والأهم دعم الإحسان في القول والعمل بالشكر والتقدير.