هل فقد مجتمعنا طهره؟

تفاعل
تفاعل

الجمعة - 15 يناير 2016

Fri - 15 Jan 2016

عندما أتذكر أيام الطفولة ومدى البراءة والطهر اللذين كان يتمتع بهما مجتمعنا عندما كانت قلوبنا مفتوحة قبل بيوتنا للآخرين وعندما كانت نوايانا سليمة لم يخالطها الغدر والخيانة، وكيف كان الرجل يغيب عن زوجته وأطفاله بالأشهر دون أن يخشى عليهم، فالجار يقوم بدور الوالد مع الأبناء يساعدهم في حوائجهم ويؤدبهم إذا اقتضى الأمر ذلك، والمرأة تستطيع أن تخرج وتقضي حاجاتها وحاجات أطفالها دون أن يتعرض لها أحد فهي تخالط الرجال في الأسواق وتتحدث مع جيرانها دون أن يطعن أحد في شرفها أو يتهمها بسوء.

أما الآن فإن قلبي تأكله الحسرة على مدى السوء الذي وصلنا إليه، فبتنا والجار لا يأمن جاره والرجل ما إن يخاطب جارته أو قريبته إلا وخناجر التخوين والشك تطعن فيهما، فأي حياة هذه التي لا مروءة فيها وأي طريق سلكناه حتى أوصلنا لهذا المستوى؟!

يبدو أن الطفرة المالية الأولى في الثمانينات الميلادية وما أعقبها من نهضة مدنية قد استُغلت من قبل البعض من أجل استيراد قيم وعادات مخالفة للقيم الإسلامية التي تربينا عليها، وهذا ما أسفر عن نشوء تيار معاكس أخذ على عاتقه محاربة هذا الاستغلال، وللأسف فإن التيارين قد اتخذا رمز الطهر عندنا ليكون ميدان معركتهما، فها نحن نستمع إلى أصوات تنادي بحقوق المرأة المسلوبة، وعندما ندقق السمع فإننا لا نستمع إلا إلى أصوات تنادي بكل ما من شأنه أن يجعلها سلعة رخيصة بأيديهم، بينما تخرس هذه الأصوات عند المطالبة بحقوق المرأة الفعلية والتي تضمن لها الحياة الكريمة التي تتوافق مع قيمتها في المجتمع، فلا نجدهم يتحدثون عن حقوق الأرامل والمطلقات ولا عن حقوقها في جودة التعليم والوظائف التي تحافظ على خصوصيتها وكرامتها ولا عن حمايتها من التعنيف والتحرش.

وفي الجانب الآخر نجد الأصوات التي تزعم حرصها على المرأة ودفاعها عنها قد استبدلت دور الوعظ والتوعية بدور الوصاية المقيتة والتي تمنع بدون إبداء الأسباب ولا تربي في النفوس الرقابة الذاتية بل تجاوز الأمر حده حتى بلغ حد الهوس والشك، فالمرأة من وجهة نظرهم محل شك دائم في كل تصرفاتها وناقصة عقل ودين تحتاج إلى الحجر ومراقبة كل ما تفعله.

فيا مجتمعنا الطاهر لا تكن ساحة قتال لمعركة خبيثة بين طرفين أثبت الزمن أنهما لا يملكان إلا عقولا خبيثة أو سخيفة، فهاهم قد تعروا في فضاء التواصل الاجتماعي، فبتنا نرى حقيقة أفكارهم ومطامعهم في المرأة في تغريداتهم، كما بتنا نرى من يمنع التواصل مع المرأة بكل الأشكال وهو يعيد تغريداتها لمجرد أنها امرأة وبتعليقات فيها من اللحن بالقول الشيء الكثير، بل بتنا نراهم يتسابقون في إرسال بناتهم إلى برامج الابتعاث الخارجي والتي كانوا يتهمونها بأنها برامج تغريبية تدعو للانحلال الخلقي.

وفي الختام سأظل أحمل معي قلبي الطاهر وأسترجع ذكريات الزمن الجميل، وسأظل أتعامل مع المرأة بكل ما يحمله قلبي من طهر وسوف أتخاطب مع جارتي وقريبتي وأتفقد أحوالهما، وسوف أتابع أي مغردة أجد عندها شيئا من الإبداع وسأعيد كل تغريدة تلامس مشاعري وأعلق عليها، وسوف أسعد كثيرا بكل مغردة تتابعني أو تجد في تغريداتي ما يستحق الإعجاب غير مكترث بكل الأصوات المريضة.