دونالد ترامب.. وقادة الغرب يقولون
الأحد - 13 ديسمبر 2015
Sun - 13 Dec 2015
يبدو كلام المرشح الجمهوري الأمريكي دونالد ترامب من أقوى التصاريح إثارة ليس من حيث مضمونه، فهناك ما هو أسوأ منه، وإنما من حيث موقعه السياسي وأهميته وشهرته، وهو امتداد لتصريحات غربية متعددة بين فترة وأخرى منذ عام 2001. وفي العام الماضي كان هناك تصريح بلير حول وجود «مشكلة داخل الإسلام».
ما يبدو جيدا في السنوات الأخيرة، هو تلمس بوادر تطور شعبي في العالم العربي والإسلامي في استقبال مثل هذه التصريحات، فلم تعد مثل هذه الخطابات المتكررة والمستفزة تشغل الرأي العام بطريقة انفعالية كما كان يحدث في الماضي، وتتحول إلى مناسبة للتهييج الشعبوي عند الكثير من النخب الدينية والفكرية.
هناك نوع من الملل الشعبي والتكيف مع مثل هذه الانفعالات الغربية بعد كل حدث إرهابي يحسب على المسلمين. هذه اللامبالاة والتعامل مع مثل هذه الطرح الانفعالي باحتفالية أقل، هو أحد ملامح نضج مفترض لدى الشعوب الإسلامية وقيادات الرأي العام فيه، سببها حالة الانفتاح الكوني، فقد حدث تطور في الذهنية الشعبية في استقبال مختلف الآراء، وأصبح من الصعب أن يضللهم منظر حماسي يستغل مثل هذه التصريحات لمزيد من التهييج ضد الآخر، فهم في اللحظة التي يتابعون فيها خطابات الكراهية يتابعون ردود الأفعال الغربية نفسها المناهضة لهذه الأصوات، فقد قوبل هذا التصريح بعاصفة من ردات الفعل الأمريكية والغربية يصعب حصرها هنا من منظمات وهيئات مدنية في الولايات المتحدة وكذلك البيت الأبيض، وكان من أبرز ردود الفعل توقيع أكثر من 300 ألف بريطاني على عريضة تطالب بمنع دونالد ترامب من دخول بريطانيا.
هذا تطور نوعي في الوعي نأمل أن ينضج أكثر خاصة من الوعاظ وأصحاب الخطاب الديني، ليس لأنهم متهمون لوحدهم، وإنما لأن طبيعة الخطاب الديني ليس نخبويا وإنما يسمعه ويتابعه الشخص العادي ومن مختلف الأعمار لمعرفة أمور دينه. هل بدأ يدرك الكثير من هؤلاء أن أعمال التطرف والعنف لم تعد تصيب أبرياء هنا أو هناك فقط، وإنما كلفتها عالية على الملايين من المسلمين الأبرياء الذين أصبحوا عرضة للتهمة بسبب دينهم.
في الماضي أتذكر الصعوبة التي أجدها في حوارات كثيرة حول عدم جدوى التهييج المضر بمصالح عالمنا العربي، وأنه يخدم الخطاب المتطرف. مع أجواء كلمة بوش الشهيرة.. لاحظت أن كثيرا من الأسماء التي كانت تشارك في هذا التهييج الشعبوي خف حماسها الآن وبعضها كانت خلف معرفات انترنيتية. هل أدركت أن خطابها كان سببا في تطورات العنف العبثي الذي وصلنا إليه الآن.
ردة الفعل المعقولة لدى كثير من النخب الدينية المحلية في السنوات الأخيرة، يمكن أن نقارنها بوعي مراحل سابقة تشكلت في رؤية الغرب خلال عدة عقود، متأثرا بمرحلة الاستعمار ثم مرحلة المد القومي والتيارات اليسارية العربية. مع بدايات تمدد الخطاب الديني الإسلامي وزيادة جمهوره كانت هناك بعض الكتابات والمقولات النمطية التي تركت بصمتها على الذهنية الشعبية، من خلال الخطاب المنبري والمحاضرات الدينية ومرحلة الكاسيت المكثفة حينها. كان كتيب «قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله» لجلال العالم الذي صدر في منتصف السبعينات من أبرز الكتيبات انتشارا وتأثيرا لسهولة قراءته وتصفحه خلال جلسة واحدة. هذا الكتيب الصغير كان من أكثر ما يستشهد فيه خطباء المنابر والوعاظ وكتاب تلك المرحلة عند الحديث عن موقف الغرب من العالم الإسلامي، والنقل منه. المؤلف جمعها من مجموعة مراجع بعضها متداول ومشهورة، مثل كتاب الغارة على العالم الإسلامي، والإسلام في مفترق طرق، والتبشير والاستعمار .. إلخ.
ولكثرة تكرارها أصبحت بعض هذه المقولات محفوظة لدى جمهور واسع.. منها «ما دام هذا الكتاب موجودا فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ..» وكلام صموئيل زويمر «إن مهمة التبشير التي نَدَبتُكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية، ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم و تكريما إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله..» وغيرها. بغض النظر عن مراجعة هذه العبارات وسياقها، فالمشكلة في حقيقتها أن مثل هذا الاختزال للآخر يشوه الوعي بالعالم وتحولاته التاريخية.
وقد تستمر المغالطة في هذه اللحظة إذا كنت تقرأ هذا المقال وكأن الكاتب يقدم نظرة وردية للغرب ومحاولة لتجميله، فهذه الطريقة نوع من الهروب عن الفكرة الرئيسية، فالتكثيف المبالغ فيه لفكرة وحيدة من عوامل التضليل وصناعة التطرف.
كان السبب في قوة تأثير هذا الكتيب وانتشاره منذ منتصف السبعينات عنوانه اللافت حتى للصغار ومحدودي الاطلاع، فالعنوان لوحده يكفي للتأثر بفكرته. استعمل المؤلف الأسلوب المباشر والسهل جدا، بحيث لم يزحم هذه المقولات بشرح طويل، لهذا يستطيع قراءته حتى الطفل في نهاية المرحلة الابتدائية، وكثيرون من البسطاء تجذبهم الروح التآمرية في رؤية العالم، وحتى اسم المؤلف الرمزي «جلال العالم» كان له تأثير فني على القارئ المبتدئ. اسم المؤلف الحقيقي عبدالودود يوسف من الذين ابتلعتهم سجون حافظ الأسد في سوريا عام 1983، فالكتيب فيه سطور صغيرة عن الديكتاتورية في العالم الإسلامي وحرص الغرب على دعمها.
ما يبدو جيدا في السنوات الأخيرة، هو تلمس بوادر تطور شعبي في العالم العربي والإسلامي في استقبال مثل هذه التصريحات، فلم تعد مثل هذه الخطابات المتكررة والمستفزة تشغل الرأي العام بطريقة انفعالية كما كان يحدث في الماضي، وتتحول إلى مناسبة للتهييج الشعبوي عند الكثير من النخب الدينية والفكرية.
هناك نوع من الملل الشعبي والتكيف مع مثل هذه الانفعالات الغربية بعد كل حدث إرهابي يحسب على المسلمين. هذه اللامبالاة والتعامل مع مثل هذه الطرح الانفعالي باحتفالية أقل، هو أحد ملامح نضج مفترض لدى الشعوب الإسلامية وقيادات الرأي العام فيه، سببها حالة الانفتاح الكوني، فقد حدث تطور في الذهنية الشعبية في استقبال مختلف الآراء، وأصبح من الصعب أن يضللهم منظر حماسي يستغل مثل هذه التصريحات لمزيد من التهييج ضد الآخر، فهم في اللحظة التي يتابعون فيها خطابات الكراهية يتابعون ردود الأفعال الغربية نفسها المناهضة لهذه الأصوات، فقد قوبل هذا التصريح بعاصفة من ردات الفعل الأمريكية والغربية يصعب حصرها هنا من منظمات وهيئات مدنية في الولايات المتحدة وكذلك البيت الأبيض، وكان من أبرز ردود الفعل توقيع أكثر من 300 ألف بريطاني على عريضة تطالب بمنع دونالد ترامب من دخول بريطانيا.
هذا تطور نوعي في الوعي نأمل أن ينضج أكثر خاصة من الوعاظ وأصحاب الخطاب الديني، ليس لأنهم متهمون لوحدهم، وإنما لأن طبيعة الخطاب الديني ليس نخبويا وإنما يسمعه ويتابعه الشخص العادي ومن مختلف الأعمار لمعرفة أمور دينه. هل بدأ يدرك الكثير من هؤلاء أن أعمال التطرف والعنف لم تعد تصيب أبرياء هنا أو هناك فقط، وإنما كلفتها عالية على الملايين من المسلمين الأبرياء الذين أصبحوا عرضة للتهمة بسبب دينهم.
في الماضي أتذكر الصعوبة التي أجدها في حوارات كثيرة حول عدم جدوى التهييج المضر بمصالح عالمنا العربي، وأنه يخدم الخطاب المتطرف. مع أجواء كلمة بوش الشهيرة.. لاحظت أن كثيرا من الأسماء التي كانت تشارك في هذا التهييج الشعبوي خف حماسها الآن وبعضها كانت خلف معرفات انترنيتية. هل أدركت أن خطابها كان سببا في تطورات العنف العبثي الذي وصلنا إليه الآن.
ردة الفعل المعقولة لدى كثير من النخب الدينية المحلية في السنوات الأخيرة، يمكن أن نقارنها بوعي مراحل سابقة تشكلت في رؤية الغرب خلال عدة عقود، متأثرا بمرحلة الاستعمار ثم مرحلة المد القومي والتيارات اليسارية العربية. مع بدايات تمدد الخطاب الديني الإسلامي وزيادة جمهوره كانت هناك بعض الكتابات والمقولات النمطية التي تركت بصمتها على الذهنية الشعبية، من خلال الخطاب المنبري والمحاضرات الدينية ومرحلة الكاسيت المكثفة حينها. كان كتيب «قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله» لجلال العالم الذي صدر في منتصف السبعينات من أبرز الكتيبات انتشارا وتأثيرا لسهولة قراءته وتصفحه خلال جلسة واحدة. هذا الكتيب الصغير كان من أكثر ما يستشهد فيه خطباء المنابر والوعاظ وكتاب تلك المرحلة عند الحديث عن موقف الغرب من العالم الإسلامي، والنقل منه. المؤلف جمعها من مجموعة مراجع بعضها متداول ومشهورة، مثل كتاب الغارة على العالم الإسلامي، والإسلام في مفترق طرق، والتبشير والاستعمار .. إلخ.
ولكثرة تكرارها أصبحت بعض هذه المقولات محفوظة لدى جمهور واسع.. منها «ما دام هذا الكتاب موجودا فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ..» وكلام صموئيل زويمر «إن مهمة التبشير التي نَدَبتُكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية، ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم و تكريما إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله..» وغيرها. بغض النظر عن مراجعة هذه العبارات وسياقها، فالمشكلة في حقيقتها أن مثل هذا الاختزال للآخر يشوه الوعي بالعالم وتحولاته التاريخية.
وقد تستمر المغالطة في هذه اللحظة إذا كنت تقرأ هذا المقال وكأن الكاتب يقدم نظرة وردية للغرب ومحاولة لتجميله، فهذه الطريقة نوع من الهروب عن الفكرة الرئيسية، فالتكثيف المبالغ فيه لفكرة وحيدة من عوامل التضليل وصناعة التطرف.
كان السبب في قوة تأثير هذا الكتيب وانتشاره منذ منتصف السبعينات عنوانه اللافت حتى للصغار ومحدودي الاطلاع، فالعنوان لوحده يكفي للتأثر بفكرته. استعمل المؤلف الأسلوب المباشر والسهل جدا، بحيث لم يزحم هذه المقولات بشرح طويل، لهذا يستطيع قراءته حتى الطفل في نهاية المرحلة الابتدائية، وكثيرون من البسطاء تجذبهم الروح التآمرية في رؤية العالم، وحتى اسم المؤلف الرمزي «جلال العالم» كان له تأثير فني على القارئ المبتدئ. اسم المؤلف الحقيقي عبدالودود يوسف من الذين ابتلعتهم سجون حافظ الأسد في سوريا عام 1983، فالكتيب فيه سطور صغيرة عن الديكتاتورية في العالم الإسلامي وحرص الغرب على دعمها.