سنة التغيير 30 حارة في المنصور تحفظ تاريخا شوهه الواقع

عندما قررت الذهاب لشارع المنصور في مكة المكرمة والتجول فيه للكتابة عن واحد من أهم شوارع المدينة المقدسة، ناهيك عن أهميته الحيوية، كونه أحد الشرايين المؤدية للمنطقة المركزية للحرم المكي، لم يخطر ببالي أنني سأصادف من يحاول التنصل من معرفته بالشارع، ناهيك عن انتمائه للمكان، سواءً بالسكنى في إحدى حاراته، أو الشوارع القريبة منه! وإن كان الأمر يدعو قليلاً للعجب

عندما قررت الذهاب لشارع المنصور في مكة المكرمة والتجول فيه للكتابة عن واحد من أهم شوارع المدينة المقدسة، ناهيك عن أهميته الحيوية، كونه أحد الشرايين المؤدية للمنطقة المركزية للحرم المكي، لم يخطر ببالي أنني سأصادف من يحاول التنصل من معرفته بالشارع، ناهيك عن انتمائه للمكان، سواءً بالسكنى في إحدى حاراته، أو الشوارع القريبة منه! وإن كان الأمر يدعو قليلاً للعجب

السبت - 15 فبراير 2014

Sat - 15 Feb 2014



عندما قررت الذهاب لشارع المنصور في مكة المكرمة والتجول فيه للكتابة عن واحد من أهم شوارع المدينة المقدسة، ناهيك عن أهميته الحيوية، كونه أحد الشرايين المؤدية للمنطقة المركزية للحرم المكي، لم يخطر ببالي أنني سأصادف من يحاول التنصل من معرفته بالشارع، ناهيك عن انتمائه للمكان، سواءً بالسكنى في إحدى حاراته، أو الشوارع القريبة منه! وإن كان الأمر يدعو قليلاً للعجب



إلا أن واقع حال الشارع والتهويل الإعلامي المصاحب لأحداثه أخرجاه من الإطار الطبيعي الذي تمثله بقية شوارع العاصمة المقدسة، عبر سلسلة أحداث ويوميات يعيشها سكانه شكّلت في بداية سبعينات القرن الماضي حتى كتابة هذا التقرير صورة مشوهة للشارع، بل أصبح المنصور في الذهنية الجمعية مرادفاً لأعمال الشغب والانفلات الأمني، ناهيك عن وصمة عار تعتلي جبينه، كونه المأوى للخارجين عن القانون!«المنصور» أخذ تسميته من اسم الأمير منصور بن عبد العزيز، وزير الدفاع في عهد الملك عبد العزيز، وساهم التوسع العمراني في توسيع حدوده وامتداده حتى وصل لما يطلق عليه «قوز النكاسة» جنوباً، فيما احتفظ بنقطة بدايته من ميدان الغزاوي شمالاً، كما أبان فايز كنسارة، مدير عام التخطيط العمراني بأمانة العاصمة

ونتيجة للتطوير العمراني الذي طال حارات وشوارع مكة المكرمة تأتي أهميته من كونه يتقاطع مع مشاريع تطويرية

الشارع الموغل في القدم إلى فجر الإسلام على الرغم من أنه كان خارج النسيج العمراني والتجمع السكاني حينها، كما أوضح عادل غباشي أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة أم القرى، كان يعد منطقة مزارع وآبار، وهو ما جعل منه وجهة يلجأ إليها الناس للسكن

لتبدأ كتابة أول سطور قصة شارع المنصور على المستوى الاجتماعي والتجاري، عبر بوابة الحج التي أدخلت جاليات من عرقيات مختلفة، تشابكت خطوطها مع قبائل عربية استقرت على طول الشارع وداخل أزقته لتكون نسيجاً اجتماعياً وثقافياً

وعلى الرغم من غلبة الأفارقة الظاهرية إلا أن ذاكرة المكان المحفوظة في بعض المباني تقف شاهدة على عصور من أناقة المكان ورفاهيته، منها القصور الملكيةـ تحول بعضها لمقرات حكوميةـ ومستودع جمعية الهلال الأحمر حالياً، الذي شهد فصولا من حياة الأميرة العنود بنت عبد العزيز، قبل أن يتحول مقراً للجمعية، ومركزاً للرعاية الأولية في ستينات القرن الماضي على مدى ثلاثة عقود

ولا يقف الأمر عند هذا المبنى، بل يأتي قصر خميس نصّار، التاجر الفسطيني الذي سكن المنصور، في دلالة واضحة على موازييك عرقي شكّل هوية الشارع حتى وقت قريب، إلى جانب التحفة المعمارية لبيت اليغمور، قبل أن يكون مقراً للشرطة

شارع المنصور يضم على طول امتداده حارات تجاوزت الثلاثين، وتمت نسبتها للقبائل التي سكنتها، دون النظر للانتماء العرقي، منها الهنداوية وحارة يمن، وحي الزهارين، وحوش بكر، وحارة العبادلة الأشراف، والمكوار، وحوش الهلال الأحمر، وحارة الشناقيط، وجرول، والرصيفة، والحفاير ، وخزاعة، وجبل غراب، والعلاقي ودحلة المغاربة، وحارة البرانوة، وسوق البرنو، بالإضافة للتنضباوي، الأكثر شهرة في الشارع، كونه امتداد لوادي طوى، حيث بات الرسول عليه الصلاة والسلام ليلة فتح مكة، بإجماع مؤرخي وكتّاب السيرة النبوية، ناهيك عن كون الحارة اشتقت اسمها من شجرة التنضب التي تكثر فيها

وعلى الرغم من استيعاب الشارع لعرقيات مختلفة إلا أن الوشم الأفريقي الذي يلف حارات المنصور وأزقته لتتنحى منه الصورة القديمة،القصور والبساتين التي رسمت الخطوط الأولى للمنصور، قبل أن تبدأ أمانة العاصمة في إعادة تشكيل الشارع ضمن خططها العمرانية والتطويرية، لتتسق مع أهميته الحيوية، في محاولة منها لاعتماد «عدة مشاريع سكنية وفندقية لإسكان الحجاج، بارتفاع 15 طابقا على الشارع الرئيسي»، كما أوضح كنسارة

ورغم سنة التغيير التي لا تُبقي الأمور على حالها، وباعتبار الشارع يضم واحداً من الأسواق الرئيسة بمكة ،التي يشهد لها وجود بعض بيوت التجارة المكيّة، ربما كان أشهرها متجر عبد الغني الصايغ للذهب، إلا أن التيارات الأفريقية حولت سوق المنصور إلى سوق شعبي، لأن زيارة بسيطة للسوق كفيلة بأن تكشف لك أفريقية المكان، ليس فقط في الوجوه السمراء التي تقابلك، بل في المنتجات والبسطات التي تقف عليها سيدات أفريقيات

وعلى الرغم من الخطط التطويرية للشارع إلا أن بقاء الشارع التجاري بأسواقه مرهون بـ «أصحاب الملكيات ومدى الجدوى الاقتصادية في بناء مراكز تجارية أو مبان سكنية فندقية»، كما أوضح كنسارة

الشارع الممتلئ بعبق البخور الأفريقي في صورته الحالية المهترئة، إلا قليلاً،تمتزج فيه رائحة شواء بنسمات ليل الأزقة الضيقة عبر حفلات السيرية «اللحم المشوي على الطريقة الأفريقية»