بلا فلسفة.. بلا أخلاق

من العبارات التي تستخدم للتطاول على الآخرين في هذا الزمان أو نعتهم بأوصاف غير لائقة كلمات مثل: «فلسفة»، «كلام تعبيري» و«تنظير»، مع أن هذه الجوانب مرتبطة، في مجال الطب مثلا بكل من أخلاق الطبيب وحكمته

من العبارات التي تستخدم للتطاول على الآخرين في هذا الزمان أو نعتهم بأوصاف غير لائقة كلمات مثل: «فلسفة»، «كلام تعبيري» و«تنظير»، مع أن هذه الجوانب مرتبطة، في مجال الطب مثلا بكل من أخلاق الطبيب وحكمته

السبت - 05 ديسمبر 2015

Sat - 05 Dec 2015



من العبارات التي تستخدم للتطاول على الآخرين في هذا الزمان أو نعتهم بأوصاف غير لائقة كلمات مثل: «فلسفة»، «كلام تعبيري» و«تنظير»، مع أن هذه الجوانب مرتبطة، في مجال الطب مثلا بكل من أخلاق الطبيب وحكمته.

الفلسفة، والتي تعتبر صفة غير لائقة في هذا الزمان هي عبارة عن أداة لزيادة وعينا بأهمية الذي نقوم به ولماذا نقوم به وامتلاك القدرة الذهنية لمعرفة أي الطرق أفضل للقيام به.

لهذا عندما كان لعلم الطب وزنه وقيمته وعندما كُنّا فيه الرواد وسبقنا فيه العالم، كان كل طالب للطب يتعلم الفلسفة.

وأحد أهم عناصر علم الفلسفة هو أخلاق المهنة، والذي كان للأطباء المسلمين الدور الرائد في تأسيسه «والتنظير» له ووضع أسسه التي استمرت عليها كل المدارس الطبية في العالم حتى الآن.

أيضاً كان كل طبيب يتعلم علم «المنطق» ليعرف كيف «يُعبّر» عن ما يعرف بطريقة واضحة ولائقة وإلّا كيف له أن يحصل على لقب حكيم إذا لم يكن يستطيع أن يتكلم بحكمة.

أيضاً تحدث الدكتور عبدالكريم بكار في كتاباته عن أهمية «التنظير الحسن» ودوره في صناعة النهضة.

وبالطبع لا يخفى عن القرّاء الأفاضل أن ضد النهضة والحضارة هو التخلف والضعف.

بِلا «تنظير حسن» مقتَرن بفِعل لن نصل إلى نهضة لوطننا بل نسير به إلى التخلف.

وبِلا «تعبير ومنطق» يكون دليلاً ومساعداً لنا في توجهنا وقراراتنا نكون قد فقدنا الحكمة في اتخاذ القرار وسِرنا ضمن أهواء شخصية وارتباطات شللية وعصبيات خفية.

وبلا «فلسفة» وفهم للمعنى نكون قد فقدنا المصدر والعِلم الذي انبثقت منه أخلاقيات المهنة وروحها.

حيث إننا مجتمع متدين فجُّل ما يظهر لنا غياب هذه الحكمة أو «المنطق والفلسفة» يكون في الاستخدام والاستشهاد الخاطئ بالدين لتبرير الأفعال في الدنيا.

على سبيل المثال تجد مسؤولاً وهو يدافع عن أحد قراراته والتي ارتأى البعض ممن حوله أن فيه إجحافاً بحقوق البعض بتبرير القرار في نقطتين؛ الأولى أنه غير مستفيد من إلحاق ضرر بأي شخص ولا يتعمد ذلك، مُرتكزاً إلى «النية الحسنة» التي ناقشناها في مقالة الطبيب القاضي.

أما الثانية فكانت الاستشهاد بآية: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم)، وكأن الآية تبرر الفعل!.

أخي المسؤول، نعم، لهم في قضاء الله عليهم خير وهذا الخير هو في صبرهم على ظلمك لهم، ولكن هذه الآية لا تجعلك فاعل «الخير» فكلمة «خير» في الآية لا تنطبق على من ألحق بهم ما يكرهون.

هذا للأسف حال الكثير من نقاشاتنا، فهي إما استشهادات في غير مكانها أو تبريرات تخلو من أبسط قواعد المنطق، والتي مِثالها ما نراه في الإعلام العالمي من ربط الإرهاب بالإسلام مع أن الحقائق والفلسفة الفكرية تُظهر عدم صحة هذا الربط لكنهُ كان، ولا يزال، مطلوباً لتحقيق غرضٍ ما.

نحن في نقاشاتنا كذلك لا نختلف كثيراً عنهم في استخدام ما يخدم المصلحة الشخصية مع غيابٍ المنطق والفلسفة المفيدة والتي كان يمكن أن تُعين على اتخاذ قرار أفضل أو خطوات أجدى.

من دون منطق وتنظير حسن تكون النتيجة فكرا مشوها، ومجتمعا مشوشا يحرم نفسه ومن حوله الاستفادة من التجارب المحيطة.

من باب الإنصاف يجب ذكر أن هذا هو الوضع العام في العالم أجمع، وليس في بلادنا فحسب، وسبب ذلك كما شرحه علماء الاجتماع هو أن الذي كان يميز القرون السابقة إلى الخمسينات من القرن الماضي هو القيم والأخلاق، وهذا في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه القيم ترتبط كما ذكرنا بالفلسفة والحكمة والمنطق.

أما الذي يُميز القرن الحالي فهو أمرٌ مغايرٌ تماماً، وبانتقال العالم من الأخلاق إلى هذا الأمر فقد الكثير من حكمته وفلسفته وأخلاقه.

وهذا حديث المقال القادم.