ياسر عمر سندي

التنمر التنظيمي

الأربعاء - 18 ديسمبر 2019

Wed - 18 Dec 2019

لا يكاد يمر أسبوع أو أكثر إلا وقد سمعنا أو قرأنا أو نما إلى علمنا بطريقة أو بأخرى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، خبر عما يسمى التنمر وحوادثه التي أضحت في تزايد على مختلف الأصعدة، وفي كثير من المرافق التعليمية والأسرية والوظيفية وحتى الالكترونية. فقد يعلمه المتخصصون، وقد لا يعيره أي اهتمام الآخرون، وقد يجهله كثيرون.

وبحكم الازدياد المطرد لأعداد السكان في مختلف دول العالم بأسره، وما يصاحبه أيضا اختلاف شديد في الأنماط البشرية. وبسبب المصالح المشتركة السلبية والإيجابية. تتنوع معها احتياجات البشر؛ فالكماليات قديما أصبحت احتياجات حديثا، والعكس صحيح، وبحسب نظرية الحاجات للعالم النفسي «ماسلو» الذي وضع فيه حاجات الإنسان للبقاء على قيد الحياة وحكمها بمعيارين هما سلامة النفس وسلامة الجسم؛ بدأ بالقاعدة وهي الحاجات الفسيولوجية، ومن ثم الحاجات الأمنية، وتليه الحاجات الاجتماعية، والحاجات لتقدير الذات، وفي رأس الهرم الحاجات لتحقيق الذات، وفي حال اختل هذا التراتب الهرمي أو ألغي أحد أدواره تخلخلت معه الشخصية وضعفت وانحسرت، أو أنها طغت وتجبرت.

وفي غالب تعاملات عصرنا الحالي الذي برزت فيه الماديات والحاجات الملوسة، تفاقمت معه أساليب الاستحواذ المصلحي وتجلت معالم الأنا النفعي، بطريقة أنا أولا ومن بعدي الطوفان، بالتالي تبدلت المفاهيم والقناعات والتوجهات لدى البشر، وما أعنيه أن معايير الإيثار ومراعاة أحوال الغير أصبحت ضربا من ضروب الخيال، فتبدلت المبادئ السامية والمروءة العالية، وحلت مكانها قوانين القوة والتمكين العشوائي، والتي باتت تطغى على المبادئ التربوية في غالب التعاملات الدنيوية.

والتنمر أجده مصطلحا نفسيا اجتماعيا يتشكل جراء التوليفة الاجتماعية مختلفة الأنماط ومتعددة الاحتياجات، ومن خلال ظهور عديد من الشركات والمنظمات لتلبية هذه الحاجات، وأرى أن سلوك التنمر وتحديدا في مجال الأعمال «فرض السيطرة من قبل التنفيذيين أو المديرين أو الموظفين بطريقة جبرية داخل المنظمات للوصول إلى درجة الإخضاع لأفكار أو توجيهات مغلوطة بطريقة قسرية وقهرية، بغرض الاستحواذ الإداري أو الهيكلي أو الوظيفي أو المالي، ولتحقيق أغراض شخصية على مختلف المستويات الإدارية العليا والوسطى والدنيا».

ومن وجهة نظري السلوكية أطلق على هذا السلوك «التنمر التنظيمي» إجمالا والذي تندرج تحته ثلاثة أنواع من التنمر، أوضحها على النحو التالي:

• التنمر التنفيذي:

وهو الذي يسقطه كبار المسؤولين في المستويات العليا للشركة أو المنظمة على المديرين العامين ومساعديهم والمديرين الأقل مكانة هيكلية منهم في التنظيم، بغرض تمرير أجندات غير نزيهة تصب في مصلحة هذا التنفيذي أو عدة تنفيذين، قد تتمثل في منصب أو مبالغ مادية أو مجرد هيمنة نفسية وتنظيمية على كل قطاعات المنظمة.

• التنمر الإداري:

وهو العدوى التي يتلقاها الموظفون في المستوى الإداري الأوسط بدرجة مديرين عامين ومديرين، وتتمثل بتنفيذ السلوكيات غير السوية كالعقوبات الظالمة والخصومات المجحفة أو تقييمات الأداء غير العادلة على الموظفين في المستوى الإداري الأقل، وحرمانهم من رفع الشكاوى وتهديدهم بالنقل أو الفصل، مستخدمين أسلحتهم الإدارية المختلفة من صلاحيات ممنوحة من المناصب أو صلاحيات مكتسبة من الصداقات والمصالح المتبادلة.

• التنمر الوظيفي:

وهو العدوى التي يتقمصها صغار الموظفين بين بعضهم البعض في الإدارات الدنيا من خلال الوشايات وبث الإشاعات والوقوعات وتصيد الأخطاء، وغيرها من الأعمال المخلة باستخدام القوة لخدمة رؤسائهم ومديريهم.

وهذا التنمر التنظيمي أعتبره مرض العصر العضال الذي يتفشى في المنظمات، نتيجة استفحال وباء الفساد الإداري الذي يخلخل العمود الفقري لأي منظمة وهو موردها البشري والمالي، مما يصيب جسم التنظيم بالوهن وبالتالي المرض والموت البطيء.

وفي ظل القرار الملكي الرشيد الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين أخيرا، بضم هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تزامنا مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد، وهو التاسع من ديسمبر للعام الحالي، أعتبر ذلك هو العلاج الناجع لنهوض المنظمات والشركات الوطنية واستبقائها على قيد الحياة بإذن الله.