هبة زهير قاضي

لسنا نعاجا ولستم ذئابا

الاثنين - 09 ديسمبر 2019

Mon - 09 Dec 2019

يطل أحد مشاهير الإعلام الاجتماعي من برنامج سناب شات ليدلي برأيه عن ضرورة اهتمام وزارة العمل بتهيئة مكان العمل، بحيث يراعي خصوصية السيدات ويعد لهن بيئة مريحة وآمنة. حتى تلك النقطة كان كلامه منطقيا، محترما ومعقولا وفيه مجال للنقاش، لينحرف فجأة بزاوية 180 ويتحدث عن أن وجود المرأة والرجل في بيئة مختلطة طوال ست ساعات مدعاة لإثارة شهوة الرجل، بل وإن الرجل الذي لا تستثار شهوته من زميلة عمله المتواجدة حوله لهو نقص في فحولته وعليه بالعلاج النفسي والجسدي!

أعتقد أننا جميعا نتفق على ثلاثة أشياء بدهية، الأول: أنه يجب على الرجل غض البصر، والثاني: على النساء مراعاة الاحتشام، والثالث: وجوب وجود قانون رادع وصارم. والنقاط الثلاثة تعد قواعد راسخة في المنظومة الدينية الخاصة بنا، والمنظومة الأخلاقية للحضارات الحديثة أيضا. وسنتجاوز أيضا بدهية أن الرجل في مجتمعاتنا تمت تنشئته على النظر للمرأة بطريقة معينة، حيث هي موطن الفتنة ومثار الشهوة وأننا في العصر الحديث يجب أن نتخلص من هذه النظرة المحدودة والقاصرة. لذا دعونا لا نقف هناك كثيرا ولنناقش الموضوع من زاوية مختلفة.

كانت إحدى صديقاتي تحكي عن إحدى موظفاتها، والتي تتأخر كثيرا عن الدوام بحجة تغيير سائقي المشوار دائمي التحرش بها. مما جعلني بالتالي أقص عليهن قصة إحدى المعارف التي كلما تواصلت معي شكت لي عن تحرش الرجال بها وعروضهم غير اللائقة لها.

هذا جعلني وصديقاتي نناقش الموضوع من زاوية مختلفة ونطرح السؤال: لماذا تتعرض بعض النساء للتحرش، مقابل نساء لا يتعرضن له؟ وما الشيء المشترك بين هؤلاء النساء؟اكتشفنا بعد حوار واستطلاع أن نسبة لا يستهان بها من النساء اللاتي يتعرضن للتحرش هن المرتابات، الشكاكات، والخائفات من التحرش! واللاتي تمت تنشئتهن على اعتبار الرجل ذئبا بشريا، وعلى النظر لأنفسهن كمحفز شهواني. تلك العقلية وطريقة التفكير تجعل المرأة دائما في حالة شك، وتحفز وخوف، مقابل قلة وعي تتبعها سذاجة، ضعف ثقة بالنفس وعدم امتلاك للوعي والقوة اللازمين لوضع الحدود وتوضيحها. وهو ما يلاحظه المتحرش ويعتبره خنوعا وضعفا وفرصة للاستغلال والاستحلال.

لذا كوني متأكدة عزيزتي أن المرأة القوية والواثقة من نفسها كإنسان كامل الأهلية هي من تعطي الانطباع بكيف يجب معاملتها، فتضع الحدود وتفرض احترامها على الآخرين رجالا ونساء. حقيقة لا أحد يجرؤ على التحرش أو حتى الاقتراب من امرأة قوية وواعية! وليس هذا بجديد أو محدث علينا، فذلك سلوك نساء العرب الحرائر منذ قديم الزمان، في مقابل شهامة رجال العرب التي كان يضرب فيها المثل أيضا. لذا فإن التمكين الفكري للمرأة والبدء بتعزيز احترامها لذاتها ومعرفة حقوقها واستحقاقها وكفاءاتها، مع وضع قوانين صارمة وإجراءات واضحة لضعاف النفوس هو الطريق الصحيح لمجتمعات صحية وآمنة للجميع.

أما الذين يستدلون بالغرب وبوجود التحرش لديهم، وبالبعض منهم ممن قالوا إنه يستحيل أن لا تكون نظرة الرجل للمرأة إلا نظرة شهوانية، فنرد عليهم أيضا من وجهة نظر مختلفة، بعيدا عن بدهيات النتائج الباهرة لخروج المرأة للعمل وإنجازاتها التي ظهرت في حضارتهم وريادتهم وجعلتهم سباقين على العالم. لنقل لهم ونذكر أنفسنا ببساطة أننا مسلمون. وعليه نستطيع الجمع ما بين تجربة تقدم الغرب مع تجنب أخطائهم، لأن منظومتنا الأخلاقية مرتكزة على القانون السماوي وليس فقط الأرضي. ومنظومتنا الاجتماعية مرتكزة على العادات الأصيلة ومراعاة الحرمات. لذا نحن لا نتحرش أو نسرق أو نعتدي أو نزور أو نغش أو نؤذي فقط خوفا من القانون، بل نفعل ذلك لإيماننا بالعاقبة الأخروية، إضافة لأصولنا الأخلاقية العتيدة التي أتى رسول الأمة ليتممها.

لذا أرجوكم لنتوقف عن الحديث عن أنفسنا ممثلين الرجال كذئاب والنساء كنعاج، فنحن أرقى وأعظم وأخير من ذلك. ولنأخذ أصولنا الراسخة وقيمنا السماوية ونصنع منها تجربة إنسانية رائدة نستطيع من خلالها صناعة تجربتنا الخاصة التي نستفيد فيها من تجارب الحضارات الحديثة، مع تجنب أخطائها بذكاء. وكل تغيير يبدأ بفكرة، ولربما تكون هذه الفكرة بداية التغيير.

@HebaKadi