عبدالحليم البراك

الثناء على المجنون ليس عيبا!

الاثنين - 11 نوفمبر 2019

Mon - 11 Nov 2019

مهم جدا أن نضع الأمور في نصابها فنحن نثني على الناس، وعلى الحياة وعلى الآخرين وعلى الأشياء، بلا قواعد في أذهاننا مرسومة، لكن بالتأكيد ثمة قواعد مع قليل من الغبش، فما هي قواعدنا في الثناء؟

الحقيقة أن الناس لديهم قواعد في الثناء مضمرة في دواخلهم، وثمة إسقاطات نفسية من الشخص نفسه على أسلوبه في الثناء، فهو يثني إن أراد حاجة (كاذبا) أو يثني بلا تثبت (استعجالا) أو يثني للوصول إلى غايات لم يصرح بها، ومهما يكن من أمر، فهذه حالات الثناء التي يمارسها الإنسان.

ويأتي الثناء على المجنون، والجنون، فالمؤكد أن للجنون جانبا إيجابيا وآخر سلبيا، أما الإيجابي وهو المتمثل في الأفكار التي خارج الصندوق ونقول عنها إنها مجنونة، فالاتفاق يذهب للثناء عليها وعلى صاحبها، لكن هناك من يثني على الجنون السلبي، الجنون المؤذي، فنحن نثني على الجنون والمجنون المؤذي لنفسه وللآخرين لنتقي شره، أو لنخفف من حدة جنونه، أو ليزداد في غيه بسبب ثنائنا حتى يجد المجنون الآخر الذي يتصدى له، وعليه فليس كل ثناء على الجنون السلبي والمجنون ذما؛ فالغايات بمقاصدها، وأعلاها أكثرها دهاء، فمن أثنى على مجنون لا تظنوه مجنونا أو غبيا، فله مآرب أخرى، إلا إن ثبت أنه جبان أو خسة من الأمر فهذا باب آخر!

والثناء على الميت محمود إلا إن كان الميت سيئا، فالأموات لا يتغيرون ولا يغيرون من آرائهم، ولذلك امدحوا الأموات بما شئتم، فإن تراثهم يحكم عليكم وعليهم، وأنتم لم تثنوا عليهم إلا من تراثهم الذي انقطع بموتهم، فاستقر الحكم عليهم، وبموتهم اطمأن الناس على أنهم لن ينقلبوا عليهم، أو يخذلوهم أو يتغيروا عليهم!

والثناء على من قد ينفعه الثناء، فيحسّن من حاله وينقله من حال حسن إلى أحسن، أو من سيئ إلى أحسن، فهذا ثناء التشجيع والمساعدة، وفيه بر في الناس لطيف، لكن لا يتجاوز حده فيقلب صاحبك عليه ويظن أنه يستحق أكثر من ثناء التشجيع الذي اخترته له.

والثناء الآخر ثناء على أهل العدل والحكمة والرأي الصحيح، فهؤلاء هم أهل الثناء، فلا تبخلوا في الرقة معهم، ولا تبخلوا بأن تجودوا عليهم بكلمات المديح التي يستحقونها فإن لم تذهب لهم فلمن يذهب ثناؤكم؟

والثناء على أهل العطاء من أجمل الثناء، فهو يزيدهم في الثناء أكثر، وهو يقودهم للعطاء أكثر، فإن كان وقودهم الثناء فزيدوا من ثنائهم بما لا ينقلب عليهم بسوء.

وأخيرا ليثني بعضكم على بعض، فالرقة ما كانت في مدينة إلا وصمت بها، ولا في شخص إلا عرف به، ولا في عائلة إلا ذكرت بها، بل إن آخرين يعممون أحكامهم الجميلة بسبب شخص واحد ترك لطفا وثناء عليهم وهم يظنون أن كل أهل مدينته مثله، أو كل أهل عائلته مثله أو كل من حوله كعطائه، والثناء على الأفعال أجمل من الثناء على الأشخاص، وإن أثنيت على شخص وعممت ثناءك عليه فقل عنه كلمتين «هذا ما أعرفه عنه، وقل ثناءك عليه حتى الآن»، فإنك لا تأمن التغير، وفي العموم اتركوا الجفاء في الكلمات والأسلوب فإن أحسن حالاتها تقطع المعروف بين الناس وأسوأ حالاتها تصنع السوء بين الناس!

بقيت نصيحة مهمة: لا تثنوا على أنفسكم وتظنوا أن هذا من البر في النفس، أو أنك أفضل من يستحق ما هو أفضل ما عندك، فثناؤك على نفسك باب غرورك، فتعوذ من إبليس ولا تثني على نفسك!

Halemalbaarrak@