تميم عبدالله التميمي

مشروعية التسجيل الصوتي بين الأطراف لإثبات حق دون التشهير

الاثنين - 04 نوفمبر 2019

Mon - 04 Nov 2019

أثارت مشروعية التسجيل الصوتي خلافا واسعا بين رجال القضاء والقانون، منهم من يرى أن التسجيل الصوتي لا يعتد به في الإثبات لبطلانه، وآخرون يرون الاعتماد عليه كقرينة.

والتسجيل الصوتي هو إجراء مشروع بين الأفراد، وبالتالي مشروعية الدليل المستمد من هذا التسجيل، إلا أن التسجيل الصوتي وإن تم التوصل إليه مع مراعاة الاعتبارات القانونية لا يعد اعترافا، وإنما مجرد قرينة من القرائن التي تساعد القاضي وتعزز عناصر الإثبات في تكوين اقتناع القاضي.

والتسجيل الصوتي حجة معتبرة في القضاء، بعكس ما يجرمه البعض بأنه مخالفة نظامية تستوجب العقوبة لذلك، حيث إن تسجيل المكالمات بين طرفين لا يندرج تحت (التنصت أو التجسس) فمفهوم ذلك مختلف تماما عما يتم الترويج له من بعض المختصين، وكثيرا ما يستند على نظام الإجراءات الجزائية فيما يتعلق بمراقبة المحادثات الهاتفية وتسجيلها، ولأن ذلك من اختصاص معالي النائب العام متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جريمة وقعت. وليس لهذه المادة تجريم للعامة من الناس، فالأفراد ليس لهم الحق بالاطلاع أو مراقبة أي محادثة هاتفية بين طرفين.

ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية لم يجرم تسجيل المكالمات بين أحد الطرفين، حيث إن المادة الثالثة من النظام أشارت إلى التنصت على ما هو مرسل عن طريق الشبكة المعلوماتية - أو أحد أجهزة الحاسب الآلي - دون مسوغ نظامي صحيح - أو التقاطه أو اعتراضه. وكذلك نصت على المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا أو ما في حكمها.

وهذه النصوص لم تجرم تسجيل المكالمات الهاتفية بين الطرفين، وإنما جرمت التنصت دون مسوغ نظامي صحيح، وانتهاك الخصوصية. فتسجيل مكالمة الطرف الآخر ليس فيه انتهاك للخصوصية لو تم لإثبات حق أمام القضاء دون نشره.

فالمنظم لم ينص على بطلان هذا الإجراء بين الطرفين، وبالتالي لم ينص على بطلان الدليل المستمد منه. والاستناد إلى هذه التسجيلات استنادا إلى حرية القاضي في الإثبات وحريته في استلهام عقيدته من أي وسيلة يطمئن إليها، والاستناد إلى قبول الدليل المستمد من هذه التسجيلات الهاتفية بحجج متعددة، منها أن هذا التسجيل يعد إجراء مشروعا ولا يتنافى مع الأخلاق أو القواعد العامة للإجراءات الجنائية، ما دامت تلك الأدلة تخضع للتقدير المطلق للقاضي شأنها في ذلك شأن الأدلة الأخرى متى تم التوصل إليها بغير طريق الغش والخداع كسائر الأدلة الأخرى.

ويستثنى من ذلك في حال قُدم تسجيل صوتي كدليل على براءة المتهم، وعندئذ يجوز الاستناد إليه بلا قيد أو شرط، حتى ولو كان الحصول عليه قد تم بطريقة غير مشروعة، لأن ذلك في حقيقة الأمر عودة الأصل للبراءة والقاعدة الفقهية تنص على أن «الأصل براء الذمة» فلا يقبل تقييد حرية المتهم باشتراط مشروعية دليل البراءة.

والجهات القضائية لا تعتبر التسجيلات الصوتية دليلا قطعيا يتم الاعتماد عليه، وإنما قرينة تتم بها مواجهة المتهم، وحجة تقوي جانب المدعي، وفي حال إنكار المدعى عليه التسجيل المنسوب إليه، يحق للمدعي أن يطلب إحالة ذلك التسجيل إلى الأدلة الجنائية للتحقق من ذلك، وأما إذا أقر المدعى عليه أمام قاضي الموضوع فهذا دليل قطعي ضده ويعد إقرارا قضائيا استنادا إلى المادة (108) من نظام المرافعات الشرعية.

فتسجيل المحادثات الهاتفية بين الطرفين والذي ينفرد أحد أطرافه بالتسجيل والاحتفاظ به لتقديمه كدليل الكتروني أمام جهات التحقيق أو القضاء لإثبات الحقوق، دون نشره، فهذا جائز وليس مجرّما، ويعد من الأدلة الرقمية المعتبرة في الإثبات متى سلم من العوارض، ويختلف قوة وضعفا بحسب الواقعة وملابساتها وما يحتف بها من قرائن، استنادا إلى قرار المحكمة العليا رقم (34) في 24/04/1439هـ. وتم الاستفتاء من قبل الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بشأن الحكم الشرعي لتسجيل المكالمات الهاتفية دون علم أصحابها لإثبات حق وتقديمه كدليل أمام الجهات القضائية، فوردت الإجابة بتاريخ 18/11/1440هـ الموافق 21/07/2019م عبر البريد الالكتروني الخاص بموقع الرئاسة العامة للإفتاء، بأن ذلك يجوز إذا كان القصد مثلما ذُكر في السؤال.

@TAT9090