مها الحريب

النفق المظلم

الجمعة - 25 أكتوبر 2019

Fri - 25 Oct 2019

الكون بأسره لا يعني لي شيئا، لا أرى جدوى للحياة أو لوجودي فيها، يحيط بي كثير من الأهل والأقارب والأصدقاء لكن أشعر أني وحيدة، في عالم مختلف عنهم، أفتقد المتعة في كل ما أفعله، أتصنع الضحك وأنا أذوب من الداخل. أستجيب لضغوطهم المتكررة للجلوس معهم وأعد الثواني لأعود لغرفتي كل يوم وأخلع عن وجهي قناع التظاهر ثم أنخرط في بكاء مرير، فكرت كثيرا أن أنهي حياتي.

كانت خطة الانتحار تلح علي كثيرا وتستحوذ على تفكيري، لكن كنت أخشى عقاب الله، صرت أرجو أن أموت بسبب إلهي دون تدخل مني، أدعو الله كثيرا أن أموت بهدوء دون أن أسبب لأهلي الحرج فيما لو انتحرت،إلى هنا توقف الحديث. وبقي حديث العيون مع تلك الدموع المنهمرة بغزارة، يظهر مقدار المعاناة والوجع،هذه العبارات لا يمكن أن تقرأها دون أن تترك فيك أثرا مؤلما وحزنا على صاحبتها ذات العشرين ربيعا، والتي استأذنتها في نقل معاناتها.

كانت (س) تعاني من اضطراب الاكتئاب، وتم تشخصيها باكتئاب حاد وفق المعايير التشخيصية المتعارف عليها طبيا. (س) ليست وحدها من يعاني أو يحمل مثل هذه الأفكار الانتحارية بسبب الاكتئاب أو غيره من الاضطرابات الأخرى.

وفق منظمة الصحة العالمية يلقى نحو 800,000 ألف شخص حول العالم حتفهم بسبب الانتحار، وفي السعودية تحديدا رغم أن الإحصاءات ليست دقيقة لكون كثير من حالات الانتحار تسجل كحالات وفاة طبيعية لاعتبارات مجتمعية ودينية؛ يصل متوسط الرقم إلى 450 حالة انتحار في السنة، بحسب تصريح هيئة الهلال الأحمر السعودي.

هذه الأرقام حول العالم وفي السعودية هي لمحاولات انتحار جدية، في المقابل هناك كثيرون يحاولون إنهاء حياتهم بوسائل مختلفة لكن لم تنجح هذه المحاولات، ومع الأسف أن حالات الانتحار الحقيقية قد تشجع آخرين يفكرون بذات الطريقة، لتتحول أفكارهم وتتطور إلى خطوات جادة لإنهاء الحياة. وبحسب الإحصاءات فإن أغلب حالات الانتحار تقع في الفئة العمرية بين 15-29 سنة.

وقد يتساءل قائل عن الأسباب أو الدوافع المؤدية لهذا المصير المؤلم لفئات عمرية في الغالب في ريعان الشباب؟

تشير الدراسات إلى أن بعض الاضطرابات النفسية كالاكتئاب الحاد مثلا، والاضطرابات الناجمة عن سوء استخدام بعض العقاقير، وحالات العنف الأسري أو التحرش الجنسي، والكوارث المفاجئة وحالات الفقد؛ من الأسباب الجوهرية للانتحار.

ويبقى السؤال الأهم: ما هي سبل الوقاية؟

يعد التغير السلوكي والوجداني في الاضطرابات النفسية مؤشرا كبيرا للحث على البحث عن العلاج والرعاية النفسية لمن يعاني، فكلما كان التدخل مبكرا كانت فرص الانتحار أقل مقارنة بغيرهم ممن لم تقدم لهم الرعاية النفسية، ومع الأسف التوعية بحقيقة الانتحار وبكل ما يرتبط به يعد من (التابوهات) المحرمة في مجتمعنا، والتي يقل الخوض فيها لاعتبارات كثيرة.

وتبقى التوعية بالانتحار ومقدماته هي نصف العلاج، كما أن على عاتق كل مختص وكل إعلامي أمانة ومسؤولية كبيرة، لتوضيح الصورة القاتمة عن الانتحار وإيصال فكرة أن الحياة أمانة وتستحق المحاولة من أجلها، والبحث عن الرعاية النفسية الجيدة وتحفيز من يحتاج لها للبحث عنها، كما أن مشاركة قصص الناجين من الانتحار والذين اكتشفوا خطأ الإقدام على الانتحار قد تجعل من يفكر بالانتحار يراجع قراره.

كما أن الحاجة ملحة لتتبنى وزارة الصحة مشروع خط ساخن للانتحار يعمل على مدار الساعة، وتشرف عليه كوادر مؤهلة تستطيع أن تكون سببا بعد الله في احتواء من يرغبون في إنهاء حياتهم، وإرشادهم وتوجيهم بما يحميهم من أنفسهم، وقد كانت هناك محاولة جادة لمجموعة صغيرة بعددها كبيرة بهمتها لتبني مشروع الخط الساخن السعودي لمحاربة الانتحار، لكن لا زالت تسعى لدعم فكرتها بجهود فردية تشكر عليها.

ومن هذا المقام أناشد وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة بالتوجيه لإنشاء الخط الساخن لحماية هذه الأرواح المتعبة ومساعدتها ودعمها، «فمن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، وتبقى الروح من أعظم الهبات الإلهية، ولكن النفس قد تضعف وتشعر بالخذلان أمام صعوبات الحياة وضغوطها، ومتى ما وجدت التوجيه والرعاية حتما ستنجو من هذا النفق المظلم.

Maha_m4@