العريفي دلال

الزهو الوظيفي.. تكريم واحد لا يكفي

الأربعاء - 23 أكتوبر 2019

Wed - 23 Oct 2019

مضى عام أو أكثر على تكريم تلك الموظفة، ولا زالت عبارات اللوم تصلني من إدارتي الموقرة رغم إصلاحي لما أفسدت بحسب رأيهم. لم تكن إدارتي ترفض التكريم بشكل عام طبعا، ولكن اللوم جاء بعد انقلاب أحوال الموظفة ذاتها. فقد أصيبت بزهو وظيفي حاد، وهذا داء مزمن، يحتاج تدخلا سريعا وعلاجا دوريا. قد يصاب به الموظف بعد لحظات احتفاء، أو بعد شهادة شكر، فيتجمد إبداعه تماما ويكتفي بما حقق، والأسوأ أنه قد يصاب بنوبات غرور تجعله يختال ويتغنى بتكريمه بمناسبة وبلا مناسبة. وهذا إنما يدل على قلة وعيه، وقد يشير إلى عدم شعوره بالاستحقاق لما ناله، فيصاب بالزهو ويتصور أنه قد أوتي ما لم يؤت أحد من العالمين.

كثيرا ما أقدر التكريم، وأعتز وأفخر بتقديمه مع كثير من الامتنان لكل من يتميز. ولا أظن أن حالة زهو أو أكثر يمكن أن توقفني عن تقديمه كواجب مستحق لمن يستحق. ولم أندم يوما على منح أوسمة التقدير لأهلها. فتحفيز الأفراد وتقديرهم لا يشكلان أي مشكلة، لكن المشكلة أن يجلب هذا التحفيز داء إداريا تصرف له وقتك وجهدك حتى تقضي على خلاياه. وهذا لا يجعلنا نطالب بإلغاء التقدير والقضاء على صور التحفيز، لكنه يدعو إلى تمييز المتميز، والملاحظة الدقيقة بعد ذلك. فمن تم شكره هذه المرة قد يحاسب مرات أخرى، ومن استحق تكريما اليوم قد يتغير أداؤه غدا، ولا أظن أن أحدا لا يتغير في هذا العالم المتقلبة أحواله!

ولا بد أن نتفق على أن كل موظف مختلف عن زميله، فهذا يزيده التكريم إبداعا وعطاء، والآخر قد يزيده غرورا وتعاليا واستعراضا أمام العالم. لكن لا يُقبل من مسؤول، ولا ينبغي أن يُسمح له بحرمان موظفيه من التقدير المستحق بسبب خوفه، أو ظنه أنه يحميهم من الغرور والزهو بأنفسهم. فحرمان الموظف من التقدير ما هو إلا سهم يفتك بسعادته وثقته وشعوره بالعدالة والأمان في المؤسسة التي يعمل بها.

والحديث هنا عن زهو الموظف بشكل عام أيا كانت مرتبته، لكن الأكيد أن المدراء حين يصابون بهذا الزهو الوظيفي، فإن أذاهم متعد وليس كغيرهم. فغرور المدير قد يعطيه «الحق» في وأد أفكار الآخرين، والتقليل من جهودهم. بل قد تسول له نفسه أن يدعي أن كل نجاحات موظفيه وموظفي المؤسسات الأخرى الواقعة في الطرف الآخر من المدينة لم تكن إلا بسببه وبفضل وجوده!

ولمن ابتلي بهذا الزهو أقول: بعد كل نجاح تبلغه، أخبر نفسك أن هناك سلما آخر ينتظرك لتعتليه، واعلم أن شهادات التقدير لا تعطيك حصانة، والتكريم لا يمنحك تاجا أبديا تتباهى به أمام الجميع، وتذكرهم بما حققت آناء الليل وأطراف النهار.

@darifi_