سلطان الحويطي

عندما يعشق الأعرابي

السبت - 19 أكتوبر 2019

Sat - 19 Oct 2019

في المقهى جلس بجواري شاب في العقد الثالث من عمره، رث الثياب يغطي شفته العليا شارب غليظ، تتدلى تحت شفته السفلى شعيرات غير متناسقة، جعله هذا المظهر يبدو وكأنه قادم من عصور البشرية الوسطى. بشرته سمراء من وهج الشمس الحارقة، يلبس رأسه طاقية بالية يخرج من تحتها شعر طويل مجعد، يبدو أنه من أبناء أعماق البادية.

ليست المرة الوحيدة التي أشاهده فيها، كنت أراه يتردد على المقهى من حين لآخر، كونت عنه صورة جامدة بأنه ذلك الرجل الذي مل الصحاري فجاء متوجسا يرقب الإنسان المكبل بالحضارة، فكل ما يفعل هناك هو تفقده الماشية، والسمر مع أصدقائه يتجاذبون أطراف الأحاديث الجادة تحت ضوء القمر الشاحب.

في الحقيقة هو لا يدرك العالم من حوله بشكل كاف، طموحاته بسيطة، ثقافته ضحلة، وسلوكه لا يتوافق سوى مع براح الصحاري الملهمة، لم يعرف شيئا عن التنمية البشرية، ولم يهمه أن يعرف شيئا عن التاريخ ولا يعرف من السياسة سوى أن أمريكا شيطان أكبر. ولكنني هذا اليوم اكتشفت في هذا الرجل شيئا جديدا، شيئا يدعو إلى الدهشة.

اكتشفت أن هذا البدوي عاشق متيم، فقد كان يتحدث بصوت خفيض في هاتفه المحمول، ورغم حرصه الشديد على الإمساك بلجام كلماته كي لا تهرب منه بعيدا، فقد تهادت إلى أذني كلمات هادرة بلهجة بدوية يخاطب فيها حبيبته، يسألها منذ متى وهي تهيم في عشقه؟

كنت حينها أتساءل: كيف لهذا البدوي الجامد أن يعاتب حبيبته بكلمات رقيقة بلهجته وسجيته غير المتكلفة، كانت الحبيبة على الناحية الأخرى تجهش بالبكاء، هكذا استشففت عندما طلب منها باهتمام بالغ أن تهدئ من روعها، عرفت من بعض كلمات هذا الرجل الممرغة في العشق لحبيبته أن هناك قصة حب عظيمة ستنتهي بالزواج يوما ما، ويبدو أن هناك من يقف في طريق حبهما العذري، ولكنه قال بأن لديه حلا قاطعا سيقوله لها عندما يحادثها عصرا.

فهل سيكون هذا الحل كحل عنترة الثائر على كل سلوك لأجل الحب فيقبل نصل السيوف المتعطشة للدماء كي يثبت جدارته بليلى، أم سيكون كحل قيس يهيم في الفلاوات مشببا بعبلة، وأيا يكن الحل الذي سيقترحه فهناك حقيقة واحدة، هي أن النساء يشغلن قلوب الرجال في كل زمان، حتى هذا القلب البدوي القاسي لم يسلم من هذا الشغف.

الحب سلوك بشري بدائي وهذا الرجل الجامد الخاوي لا يعرف سوى أنه انجذب لأنثى وعلى استعداد أن يضحي بحياته لأجل هذه الأنثى التي لا تعرف شيئا عن الموضة؟ ولا عن عروض الأزياء، ولا يهمها المستوى الاجتماعي لحبيبها، ولا نوع سيارته.

عندما نظرت في وجهه مباشرة كنت أرى رجلا يختنق، رجلا وضعت كل جبال الأرض على صدره. ودون مقدمات نهض كذئب استشعر الخطر، ربما الآن فقط انتبه لوجودي، وربما الآن فقط أدرك أنه في مقهى.

الصحراء وحدها القادرة على احتواء هذا البدوي ريثما يعود له قلبه! ربما سيذهب هناك ويفضفض لشجر السمر، ربما عاتبته الصحراء على دمعة سقطت على رمالها، فدمع البدوي لا ينبت إلا الوجع في قلوب الصحاري.

@Sm9Sultan