رابعة منصور

خواطر السعودية.. ليتني حرة!

السبت - 12 أكتوبر 2019

Sat - 12 Oct 2019

بحكم زمالتي مع طلبة باكستانيين عرفت من احتكاكي بهم أن دين الإسلام بالنسبة لهم ليس مجرد دين يتعبدون الله بنهجه، بل هو حرفيا كيان وجودي وهوية وانتماء متجذر فيهم بكل ما تحوي الكلمة من معنى، وقد يعود ذلك التجذر لتاريخ دولة باكستان التي تأسست أصلا لتكون مستقرا كريما لمسلمي الهند بعد صراعات دموية واضطهاد ودماء سالت نتيجة الصدامات مع الهندوس، أدت كنتيجة لانفصال دولة باكستان الإسلامية الحالية. وعليه، لنا أن نتصور (وربما يصعب علينا التصور) ماذا تعني السعودية مهبط رسالة الإسلام ومستقر الحرمين الشريفين للباكستانيين الذين يعبرون عن أنفسهم كمسلمين بكلمة «أمة»، بل أدعوك عزيزي القارئ أن تتأمل الباكستاني حين يتلفظ بكلمة «أمة» لتعرف ماذا يعني له الانتماء للإسلام.

مقدمتي هذه مضطرة لكتابتها لأنقل للقارئ مدى شعور الباكستاني بالألم تجاه الموقف الذي اتخذته بلدي السعودية حيال احترام قرار الهند السيادي في قضية إقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة المتنازع عليه من قبل الهند وباكستان. لأن حسابات السياسة وسيادة الدول أمر لا مجال فيه للعاطفة.

ثم موقف آخر من زميلة مسلمة صينية، ومرة أخرى حديث بأسى عما يتعرض له مسلمو الصين من اضطهاد وتضييق على أساس الدين. حقيقة جعلتني كلمات زملائي أتذكر كلمات الوزير عادل الجبير في تعليقه على الانتقادات الموجهة للسياسة الخارجية للسعودية، حين بين في رده فداحة الثقل السياسي والاقتصادي العالمي الملقى على عاتق السعودية، والذي لا توازيه أعباء الدول الكبرى بالمطلق.

لحظات صمت صرت أتأمل فيها بلدي السعودية كإنسان مثقل بالمسؤوليات ويصف حاله في سطور خواطر:

قدر لي أن أكون أرضا مسلمة وبفضل الإسلام صرت موطن الوحي ومهبطه، فصارت أفئدة الملايين معلقة بي. وقدر لي أن أكون عربية في بقعة تسودها الاضطرابات الأمنية والاقتصادية من كل حدب وصوب، ودون إرادة مني وجدت نفسي أختا وجارة كبرى مسؤولة عن كل جيراني. ولي أبناء في عمر الشباب أحمل هم أمانهم واستقرارهم ورفاههم. وأنعم الله علي بعد شقاء فتحولت أعين العالم كلها، نعم كل أعين العالم تحولت نحوي ومعها زادت المسؤولية!

لعقود من الزمن كنت السند لكل الدول الإسلامية، والحضن لكل الشعوب العربية؛ استقبلت على أرضي حتى من خفت موازين كفاءاتهم ورفضتهم دول الغرب المتقدم. ضمنت لهم بيئتي الثقافية الهادئة العيش مع أبنائهم بأمان واستقرار لم يتوفر لمن عاشوا في الغرب، استطاعوا أن يدخروا ويدعموا أوطانهم اقتصاديا، ويحققوا في وقت قصير ما لم يحققه أقرانهم في الغرب في ذات المدة وبذات الكيفية الآمنة المستقرة.

واليوم تغير الواقع، وتحولت الظروف، وتصلبت التحديات، وعجيب ما رأيته! فكل يرى حقا له فيّ باسم العروبة تارة، وباسم الدين تارة، وباسم الجيرة تارة، وباسم الصداقة تارة! وأبنائي الشباب يرفعون الصوت بحقهم الأول فيّ. رأيت ازدواج المعايير والأحكام تجاهي! رأيت نكرانا! رأيت وجوها كما لم أرها يوما! رأيت من كشر عن أنيابه لأنه اعتبر عطائي حقا مستحقا وليس كرما مني!

صرت أتساءل وأتخيل: ماذا لو لم أكن الجارة الكبرى؟ ماذا لو لم أكن عربية؟ ماذا لو لم أكن في هذا الموقع الذي تتصارع فيه القوى؟ ماذا لو كنت حرة من كل هذه الانتماءات؟ ليتني فعلا حرة! أشتاق للراحة؟ أتخيل كيف سيكون حالي لو كنت معفاة من كل التجاذبات التي يخلقها تقاطعي مع الجميع؟ أنا دولة لكن لا أحد يعلم أني ككل البشر والناس أشتاق لحريتي، لكن قدري أن أكون دولة قوية أحمل ثقلا دوليا، ودولة مثلي لن تتحرر يوما من حمل المسؤولية!

Rabeahmansoor@