من خطب الجمعة

الجمعة - 20 سبتمبر 2019

Fri - 20 Sep 2019

نعمة الأمن

«من مطالب الحياة الطيبة الأمن والأمان، فكيف يعيش المرء في حالة لا يجد فيها أمنا ولا استقرارا، وكيف يطيب عيشه إذا عدم الأمن، وهو كذلك ضرورة لكل مجتمع حيث السلامة من الفتن والشرور والآفات، وبه يتحقق الاطمئنان والسكون والرخاء والازدهار، وبه تستقيم المصالح وتحفظ الأنفس، وتصان الأعراض والأموال، وتأمن السبل وتقام الحدود، وبفقده تضيع الحقوق وتتعطل المصالح وتحصل الفوضى ويتسلط الأقوياء على الضعفاء ويحصل السلب والنهب وسفك الدماء وانتهاك الأعراض إلى غير ذلك من مظاهر فقد الأمن للمجتمع.

الأمن نعمة عظمى ومنة كبرى لا يدرك قيمته ولا يستشعر أهميته إلا من تجرع غصة الحرمان منه واصطلى بنار فقده، فوقع في الخوف والقلق والذعر والاضطراب والفوضى والتشريد والضياع، فكم من غريب فقد موطنه وكم من شريد غاب عن أهله وعشيرته، وكم من منكوب تائه لا يعرف له مأوى ولا يشعر بطمأنينة ولا استقرار وانظروا إلى صور فقد الأمن في العالم اليوم وما مني به كثير من الناس من اجتياح الفتن المدلهمة والحروب الطاحنة وإحاطة الخوف والرعب والجوع والسلب والنهب في فوضى عارمة وجنايات ظالمة.

إن الأمن مطلب في حياة الإنسان، إذ هو بطبعه ينشد الأمن وما يبعده عن المخاطر والمخاوف، ولأهميته وعظيم مكانته دعا الخليل إبراهيم عليه السلام لأهل مكة فقدم طلب الأمن على طلب الرزق لأن الأمن ضرورة ولا يتلذذ الناس بالرزق مع وجود الخوف، ولو تأمل الإنسان في جملة من آيات القرآن التي تحدثت عن الأمن والخوف لتبين له بجلاء التلازم الوثيق بين الأمن ورغد العيش من جهة، وبين الخوف والجوع من جهة أخرى.

إن الأمن هو الهدف النبيل الذي تنشده المجتمعات، وتتسابق إلى تحقيقه الشعوب، فإذا اختل نظام الأمن وزعزعت أركانه واخترق سياجه، فلا تسأل عن الآثار الوخيمة التي تحدث نتيجة ذلك من الفتن العاصفة والشرور المتعاظمة؛ إذ لا يأتي فقد الأمن إلا بإثارة الفتن العمياء، والجرائم الشنعاء، والأعمال النكراء ومن هنا فالأمن في الإسلام مقصد عظيم شرع له من الأحكام ما يحميه ويحفظ سياجه».

فيصل غزاوي - المسجد الحرام

تماسك وقوة

«إن الإسلام يضع كل ما أودعه الله في الأرض من ثروات كبيرة وموارد ضخمة تحت يد البشرية لتحقيق معنى الاستقرار، بيد أن الناس ينالهم بعض من مكر الماكرين وأذى من كيد الكائدين، وذلك ليمتحن الله صبرهم ويفضح المنافقين ومن في قلبه مرض من زيف شعاراتهم.

إن حياة الأمم فيها محطات ومنعطفات تظهر قيمتها وتبرز أصالة معدنها، فحقيقة الأمم لا تظهر إلا عند اشتداد المحن وتتابع الفتن فتظهر صلابتها ورسوخ فهمها، كما أن كل تكاليف ومقاصد الشريعة وضروراتها جاءت لتثبيت دعائم الاستقرار في حياة البشرية، ذلك أن تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهذه المقاصد لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، كما أن الإسلام رتب أشد الوعيد على الإفساد في الأرض، فمن أفسد في الأرض، وقوض معاني الاستقرار فهو مفسد.

إن في حياة الأمم محطات ومنعطفات تبرز قيمتها وأصالة معدنها وتظهر حقيقة الأمم وقت المحن والشدائد، وصلابة بنيان ورسوخ فهم وعلم؛ محنا وشدائد تعصف بأمم فتسقط وتهوى وأمم تقوى ويشتد ساعدها، وتعمق جذورها وتسمو هممها، والشدائد لا توهن عزم الرجال، ولا تفت في عضد الأوطان، ولا توقف عجلة الحياة، فهي تحتضن الأحداث وتتجاوزها وتسمو عليها.

إن الحادث الأليم الذي وقع قبل أيام في محافظة بقيق وهجرة خريص وأسفر عن أثر في مقدرات وثروات الوطن والأمة، عمل مأزوم، لن يحقق أهدافه الدنيئة، ولن يروم مراده الفاسد وسيبوء بالخسران المبين بفضل الله ثم بيقظة ولاة أمر هذه البلاد، وعزم رجال الأمن وحراس الثغور.

إنه إذ تجاوز المفسدون والمخربون الحد وطغوا وبغوا، فقد عوملوا بما يردعهم ليستقر حال الوطن وتدور عجلة البناء والتنمية، إن المملكة مع هذه الأحداث تزداد الوحدة فيها تماسكا، والصفوف تراصا، والوطن بصيرة لتحصين الحمى واستقرار الأمر وتعزيز الأمن والأمان.

إن هذه البلاد تمر بتحديات عظيمة، إذ تتلاطم فيها الخطوب فهي مستهدفة لقطع جذورها فهي معقل الإسلام ومأرز الإيمان، إن ما يميز هذه البلاد هو متانة بنائها وصلابة عودها».

عبدالباري الثبيتي - المسجد النبوي