طارق جابر

العلاج المناعي

الخميس - 19 سبتمبر 2019

Thu - 19 Sep 2019

تكاد تكون الحرب ضد المرض هي الحرب الوحيدة التي يقف البشر جميعا فيها في خندق واحد. وكلما تغيرت أنواع الأمراض ابتكر الإنسان أنواعا جديدة من العلاج، والحرب سجال لا الأمراض أبادت البشر ولا الإنسان قضى على الأمراض. وبعدما اعتقد الناس أن الغلبة لهم في الصراع مع الأوبئة التي كانت تحصدهم حصدا، جاء السرطان ليبدأ معركة جديدة.

بدأ العلماء والأطباء علاج السرطانات بالجراحات الكبيرة التي كانت أشد وطأة على الإنسان منها على الورم الذي تعود خلاياه الصغيرة لتواصل المعركة وتحسمها. تعلم الأطباء أن التعامل مع الأورام يحتاج إلى الذكاء أكثر من القوة، فتطورت أساليب العلاج الكيميائي والإشعاعي والجراحي، وحقق الأطباء كثيرا من النجاح ولكن بحدود، فلا يمكن استخدام هذه العلاجات إلا بكمية محددة ولفترة محددة. وهي لا تميز الخلايا السرطانية تحديدا، فالعلاج الكيميائي يستهدف الخلايا الأكثر نشاطا، وهذا يشمل مع الخلايا السرطانية بصيلات الشعر وبطانة الأمعاء ونخاع العظم وغيرها.

اعتقد العلماء أنه سيكون من الجيد إيجاد علاج يستهدف الخلايا الخبيثة دون غيرها، مقتصرا في نشاطه التدميري عليها فقط مسببا القليل من الأعراض، علاج يستطيع الوصول إلى هذه الخلايا أينما كانت ويستمر مفعوله إلى فترة طويلة أو إلى الأبد. وهنا بدأ العمل على تطوير العلاج المناعي للأورام (يستخدم العلاج المناعي في أمراض أخرى غير الأورام).

يقوم الجهاز المناعي للإنسان بمقاومة والتخلص من الأجسام والكائنات الضارة كالبكتيريا والفيروسات والخلايا الغريبة. في حالة الأورام، فإن كثيرا منها له طرق عدة للهروب من الجهاز المناعي، كونها في الأساس من خلايا الجسم نفسه.

العلاج المناعي أحد العلاجات الحديثة والواعدة للأورام، وأحد العلاجات الحيوية (البيولوجية) التي تعمل على تحفيز جهاز المناعة على مهاجمة الخلايا السرطانية مباشرة أو عن طريق تحفيز الجهاز المناعي للإنسان بطريقة أشمل.

التحفيز المباشر يكون إما عن طريق إزالة الكوابح التي تمنع الخلايا البيضاء من قتل الخلايا السرطانية أو عن طريق أخذ خلايا الدم البيضاء من الورم وعزل أشدها نشاطا وتنميتها في المختبر ثم إعادة حقنها، أو عن طريق إنتاج أجسام مناعية في المختبر ترتبط بالخلايا السرطانية، فيسهل على الجهاز المناعي للإنسان التعرف عليها وتدميرها.

كما تم إنتاج فيروسات معدلة مخبريا، يجري حقنها في المريض لكي تستوطن وتتكاثر فقط داخل الورم وتقضي عليه، كما هو الحال في أورام الميلانوما. يمكن أيضا الآن استخدام لقاحات معينة تحفز الجهاز المناعي ضد أنواع معينة من الأورام، سواء للوقاية كالحال مع لقاح سرطان عنق الرحم أو للعلاج.

أما تحفيز الجهاز المناعي بطريقة شاملة فيكون باستخدام بعض البروتينات المهمة وغير المتخصصة في نظام المناعة، كالإنترفيرون أو بواسطة استخدام لقاح مرض السل، كما هو الحال في سرطان المثانة.

كأي علاج، لا يخلو العلاج المناعي من مضاعفات، تتراوح من الأعراض البسيطة التي تحدث بعد أخذ التطعيمات إلى نشاط شديد للجهاز المناعي كالروماتيزم وغيره من الأمراض الناتجة عن مناعة الجسم ضد نفسه.

إن التطور المفرح والسريع الحاصل في العلاجات المناعية سيساعد الإنسان على الانتصار في جولة من جولات معركته ضد الأورام بإذن الله.

drtjteam@