الطبيب القاضي
بينما يعنى عمل معظم الأطباء بتشخيص المرض وعلاجه، تتجاوز مسؤولية البعض منهم هذه المهام إلى مسؤوليات أخرى تنعكس آثارها على شريحة أكبر من المرضى.
بينما يعنى عمل معظم الأطباء بتشخيص المرض وعلاجه، تتجاوز مسؤولية البعض منهم هذه المهام إلى مسؤوليات أخرى تنعكس آثارها على شريحة أكبر من المرضى.
الاثنين - 23 نوفمبر 2015
Mon - 23 Nov 2015
بينما يعنى عمل معظم الأطباء بتشخيص المرض وعلاجه، تتجاوز مسؤولية البعض منهم هذه المهام إلى مسؤوليات أخرى تنعكس آثارها على شريحة أكبر من المرضى. فالطبيب-»المسؤول» في لجنة أو في قسم أو كلية أو حتى وزارة ينتهي إليه القرار في الفصل بين أمرين أو القضاء بين قسمين أو طبيبين، وفي بعض الأحيان يكون بين طبيب ومريض. فهو بهذا يقوم مقام القاضي ودستوره الذي يفترض أن يعمل به هو (قسم الطبيب) الذي يتمحور حول المريض ومصلحته. فعندما يقر ويعتمد قرارا لأنه يمثل رأي مديره مع عدم قناعته بأنه أصلح للمرضى فأي نوع من القضاة هو؟ وإن قدم في قراره اعتبارات «لمراكز القوى» والأشخاص والأقسام الأكثر صلة به لا بمصلحة المريض، فأي نوع من القضاة هو؟ وإن قدم اعتبارات للآراء الشخصية على الدلائل العلمية في قراراته الإدارية فأي نوع من القضاة هو؟
مع العلم أنه كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم، القضاة نوعان، اثنان منهم (الأغلبية) في صف، وواحد في الصف الآخر كما في الحديث المشهور.
ولا تكتمل الفكرة السابقة من دون التطرق إلى نقطة مهمة جدا، وبينما هذه النقطة هي من الأمور البديهية والتي يسهل شرحها وإفهامها لطلبة الكليات الصحية بغض النظر عن مرحلتهم الدراسية، إلا أنها تغيب عن كثير من الأطباء، وخصوصا المسؤولين منهم. هذه النقطة هي أن النية -وحدها- في العمل الطبي، وفي كل قرار يتعلق بالمريض وله انعكاسات على الصحة والمرض لا تكفي.
وإليكم الشرح؛ من خلال عملي في المجال الطبي لسنين طويلة لم أعرف طبيبا يتعمد الإساءة إلى مريض بحيث يصف دواء أو يقوم بتدخل جراحي أو يتخذ قرارا بنية أذية المريض. لم ألتق بهكذا طبيب أبدا وبسؤالي لعدد كبير من الأطباء لم يذكر لي أي منهم أنه قابل هكذا طبيب. ولكن في المقابل أعرف الكثير ممن ارتبطت أفعالهم وقراراتهم بآثار سلبية ومضرة بالمرضى الذين تأثروا بقراراتهم، فإذا ما سئلوا ونوقشوا فيها كانت حجتهم الأخيرة، بعد ما استعصت عليهم الحجة العلمية والبرهان، هي «نيتهم الإيجابية» ولا أعرف أكثر سطحية ولا أسوأ من هكذا عذر.
آلية اتخاذ الطبيب للقرارات إن وضعت في الاعتبار أسباب غير مصلحة المريض والحرص على ألا يكون هناك ضرر ولا ضرار والتي تمثل المبادئ الأساسية للأخلاقيات الإسلامية، ووضعت في المقابل اعتبارات شخصية أو مصالح مشتركة فهي في حد ذاتها تخالف روح هذه المهنة وأخلاقياتها ودستورها، وإن أقنع الطبيب-»المسؤول» نفسه وقت القرار أنه لا ينوي الإضرار بالمريض.
فمثلا تقديم تعيين طبيب على آخر في منشأة طبية مع معرفة ما تتطلبه هذه المهنة من قدرة عقلية وعملية لمن هو أقل تأهيلا وذكاء وأحيانا أخلاقا، فبالإضافة إلى ما في ذلك من غبن لمن هم أكثر حقا بها هو ظلم للمريض. الإقدام على تدخل طبي وعلاجي لحالات معينة من طبيب غير مؤهل بنية مساعدة المريض ظلم للمريض. وضع العقبات والعراقيل البيروقراطية أمام خدمات في مصلحة المريض لحفظ منصب أو مكانة «زائفة» لقسم ما أو تخصص ما هو ظلم للمريض. وعندما يقدم الطبيب-»المسؤول» للمنصب من يأتمر له ويطيع بغض النظر عن كفاءته أو حتى تواجده لإعطاء صورة إيجابية عن إدارته على من هو أقدر على خدمة وتطوير تلك المؤسسة أو الإدارة والتي ترتبط خدماتها مباشرة بالمريض هو ظلم للمريض.
فأرجو أن يتجاوز النقاش في أي قرار في الجوانب الطبية خصوصا النية فلا تشكيك فيها من الأصل، ولكن في هذا السياق هي وحدها لا تكفي.
باختصار، عندما يتعامل الطبيب مع المريض كأداة لتوطيد منصبه وتقوية علاقاته بزملائه أو تعزيز فكرته عن تخصصه أو لإثبات صلاحياته الإدارية أو غيرها من الأسباب التي تقدمت على منفعة المريض، يكون قد تجاهل وتجاوز ليس فقط أخلاق المهنة وإنما دستورها كذلك وله أن يحكم من أي القضاة هو.
وأختم برسالة تعجب للطبيب -»المسؤول» والذي دائما ما تتوافق قراراته والتي طالما يؤكد لنا أنها تصب في «مصلحة المريض والمصلحة العامة»، مع مصلحته الشخصية!. فلا أدري حينها أأقول سبحان الله! أم حسبي الله!!