محمد عبدالعزيز الحارثي

هل إقامة اليوم الوطني محرمة؟!

الاثنين - 16 سبتمبر 2019

Mon - 16 Sep 2019

في كل عام وقبل يومنا الوطني نسمع في بعض المجالس ونقرأ في وسائل التواصل الحديثة رسائل يجمع أصحابها فتاوى تحرم إقامة اليوم الوطني لأنه بدعة وتشبه بالكفار، وتمارس فيه المنكرات! ولي رأي حول هذه الرسائل والفتاوى:

أولا: لو افترضنا أن إقامة اليوم الوطني بدعة ومنكر، فإن من شروط إنكار المنكر ألا يؤدي إلى منكر أعظم منه، وأي منكر أعظم من إرسال مثل هذه الرسائل التي تسهم في تأليب الناس على ولاة الأمور، وتغذية العقول بالأفكار المتطرفة، ورسم صورة للدولة في أذهان الناس وكأنها خالفت الشرع بسبب فتاوى اجتهادية لرؤية ما يحدث من منكرات في بعض الأقطار التي تحتفل باليوم الوطني، ورأيي في هذه الفتاوى مع حبي وتقديري لمن أفتى بها هي فتوى في مسألة عصرية اجتهادية، وكل يؤخذ منه ويرد، والحديث المتفق على صحته الذي بين أن العالم قد يصيب وقد يخطئ هو الحجة في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر».

ثانيا: البدعة في الدين هي إحداث عبادة جديدة كأن يخصص صلاة مخصوصة أو عبادة لم يرد فيها الدليل في الكتاب والسنة، هذه هي البدعة أما اليوم الوطني فهو عادة من العادات الحسنة إذا ابتعدنا فيه عن المخالفات الشرعية وتذكر نعم الله علينا، ومنجزات الوطن، وأن نوصي أنفسنا ومن حولنا للمحافظة على أمنه واستقراره ومكتسباته.

ثالثا: القول بأن إقامة اليوم الوطني تشبه بالكفار ومن تشبه بقوم فهو منهم، وأن هذا اليوم يقع فيه بعض المنكرات وسد للذريعة تحرم إقامته، هذا القول جانب الصواب لأن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «من تشبه بقوم فهو منهم» لا يؤخذ على إطلاقه، وإلا لحرمنا السيارة والطيارة والصناعات لأنها من عند الكفار، ولحرمنا الأكل والشرب في آنية الكفار التي يوضع فيها الخمر والخنزير، مع أن نبينا أباحها قائلا «لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها»، فمعنى حديث «من تشبه بقوم فهو منهم» كما شرحه العلماء - والله أعلم - هو أن يتشبه المسلمون بما هو من خصائص الكفار كأعيادهم الدينية، أو أن يتشبهون بهم تعظيما لهم وحبا فيهم، أما أن يقيموا يوما وطنيا أصبح من المشتركات بين الأمم والدول وكل دولة تضع بصمتها عليه والمملكة العربية السعودية تقيمه وفقا لقيمها وتقاليدها؛ فهذا مباح.

أما الذي منع إقامة اليوم الوطني سدا لذريعة الوقوع في المخالفات والمنكرات الشرعية، فمن لا يخشى الله ويتقيه يقارف المنكرات ولا ينظر لا لحرمة الزمان ولا المكان.

إن يومنا الوطني يوم عز وفخر لكل مواطن ومقيم على أرضه، فهو وطن التوحيد ومهبط الوحي وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، وفيه أقدس مكانين على وجه الأرض، فمحبته دينية، وأمنه أمن للحرمين الشريفين وللمسلمين جميعا.

ما أجمل أن يدور الحديث مع أولادنا وأقاربنا وفي إعلامنا حول كفاح الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى، وكيف وحد البلاد تحت راية التوحيد، وأن نعرف أولادنا وطلابنا في المدارس ببعض أقواله الخالدة، مثل قوله للمستشرق دو جوري «ليكن أكيدا لديك أني منطقي وعقلاني في كل الأشياء، لكل حالة حكمها وأسلوب التعاطي معها، باستثناء الحالة التي يُمس بها ديني، والله إنه هنا في صدري».

وما أجمل أن يذكر بعضنا بعضا بمنجزات الوطن في خدمة الدين ونشر العلم، ومحاربة الفساد، وبناء نهضة علمية وحضارية، وتذكر ما قام به الملك عبدالعزيز من جهود مباركة في خدمة الدين والعلم والأمن والسلام، وهكذا سار أبناؤه وأحفاده من بعده حتى وصلوا في خدمة الدين بفضل الله وقوته إلى كثير من المنجزات، ومن أبرزها أكبر توسعة للحرمين الشريفين على مر العصور الإسلامية، وأضخم خدمة للأماكن والمشاعر المقدسة والحجاج والمعتمرين، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.