سالم الكتبي

أين ستعقد القمة الإيرانية ـ الأمريكية؟

السبت - 14 سبتمبر 2019

Sat - 14 Sep 2019

حظي الجانب الإيراني بإشادة لافتة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قبل الدخول في أي حوار مزمع حول توقيع اتفاق نووي جديد، حيث قال الرئيس ترمب في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الفرنسي ماكرون عقب قمة السبع «أعتقد حقا أن إيران يمكن أن تكون أمة عظيمة، لكن لا يمكنهم امتلاك أسلحة نووية»، مضيفا أن عليهم أن يكونوا «لاعبين جيدين» قبل أن يوافق على عقد اجتماع معهم، والمعنى هنا أن سيد البيت الأبيض على استعداد تام لخوض المباراة في حال توفر «لاعبين إيرانيين جيدين»، ومن لديه إلمام بسيط بمنطق «الصفقات» التفاوضية على الطريقة الترمبية يدرك أن لها شروطا أساسية، أولها منح دور البطولة المطلقة للرئيس ترمب الذي يستعد لخوض انتخابات ولاية رئاسية ثانية، قد يكون إنجاز الصفقة إحدى أوراق ترشحها الأساسية في ظل عدم ثقته بنجاح الصفقة الأخرى أو صفقة القرن في عملية السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية، التي ربما لا تحظى بالقبول من أطراف شرق أوسطية عدة، لذا يهيئ ترمب صفقة بديلة لتعزيز فرص فوزه بالانتخابات.

معلوم أيضا أن هذه الإشادة بإيران ليست الأولى وتكررت مؤخرا، وهي على الأرجح محاولة من الرئيس ترمب لاستمالة نظام الملالي المتغطرس الذي يدرك الرئيس ترمب أن بعض الإشادات من جانبه كفيلة بتذويب التشدد الظاهري الذي يبديه المرشد الإيراني الأعلى تجاه الحوار مع الولايات المتحدة ومع إدارة ترمب تحديدا، فمثل هذه الإشادات هي لافتات تسويقية يمكن أن يوظفها الملالي جيدا في خطابهم الدعائي الاستهلاكي الداخلي لإقناع مؤيدهم بأنه تم تركيع «الشيطان الأعظم»، وغير ذلك من عبارات تستهويها آذان السامعين من مؤيدي النظام، وهي عبارات محلية الاستهلاك لا تضر الرئيس الأمريكي باعتبار أن لكل طرف فرصة تسويق ما يراه من مسوغات لإقناع جمهوره المحلي بالصفقة!

شبه المؤكد الآن أن هناك حوارات تجري وراء الكواليس حول اتفاق نووي مزمع مع إيران، فقد قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إنه أجرى محادثات «بناءة» مع الرئيس ماكرون ونظيره الفرنسي، على هامش محادثات مجموعة السبع في بياريتز، بينما أكد الرئيس الفرنسي أنه أبلغ الرئيس ترمب بخطته دعوة وزير الخارجية الإيراني، بعد مناقشات مع المسؤولين الإيرانيين حول الحلول الممكنة، ولا يجب أن ننسى هنا أن هناك التفاتات مهمة تستحق التحليل، منها أن ظريف قام بزيارة مفاجئة لمقر القمة، مما يعني أن هناك ما يستدعي الحديث بشأنه، وأنه كانت هناك حاجة لإجابات إيرانية عن تساؤلات ونقاط معينة لإبلاغها للرئيس الأمريكي، ومن ثم استكمال حلقة التشاور للتوصل إلى تفاهمات واستنتاجات نهائية.

والأهم في هذا الشأن أن الرئيس ماكرون قال إنه يعتقد أن «شروط عقد الاجتماع» بين ترمب وروحاني «في الأسابيع القليلة المقبلة» قد وضعت، ورغم أنه أضاف «لم يتم تحديد أي شيء بعد وما زالت الأمور هشة، لكن المناقشات الفنية أحرزت بعض التقدم الحقيقي»، فإن الواقع يقول إن الرئيس ماكرون ليس ساذجا سياسيا، ولم يكن ليبادر بالإعلان عن لقاء مرتقب بين الرئيسين ترمب وروحاني ما لم يكن قد تم التوافق مع الرئيس الأمريكي تحديدا على الخطوط الرئيسية للقاء، ولا سيما أن ترمب نفسه قد سبق له إحراج الرئيس ماكرون بالقول إنه ليس مفوضا للحديث باسم الولايات المتحدة مع إيران، وبالتالي فلن يغامر رئيس فرنسا بمقولة قد يفقد معها مصداقيته عقب أول تغريدة للرئيس ترمب ينفي فيها هذه الاحتمالية.

الواضح أيضا أن الرئيس ماكرون قد نجح في إقناع الجانب الإيراني بقبول فكرة عقد اجتماع القمة مع الرئيس الأمريكي، حيث قال الرئيس الفرنسي «لقد أبلغت روحاني بأنه إذا وافق على عقد اجتماع مع ترمب، فأنا مقتنع بأنه يمكن التوصل إلى اتفاق»، والشاهد على جدية هذا الكلام وأرجحيته أن الرئيس ترمب نفسه قد تداول تصريحات حول معالم غير واضحة لاتفاق مزمع مع الجانب الإيراني، حيث قال إن إيران يمكن أن تحصل على مساعدة اقتصادية من خلال «تسهيلات في صورة خطاب ائتمان بضمان نفطها»، وردا على سؤال بشأن إشارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى «تعويض اقتصادي» لإيران مقابل إجراء تغييرات على الاتفاق النووي المبرم عام 2015، قال ترمب إن إيران «قد تحتاج إلى بعض المال لتجاوز مرحلة صعبة»، مضيفا «إذا كانوا بحاجة إلى المال، فمن المؤكد أنه يمكنهم أن يحصلوا عليه بضمان النفط، وهو ضمان كبير بالنسبة لي، ولديهم الكثير من النفط»، وقد يفهم مبدئيا من ذلك أنه يوافق على منح إيران تعويضات مالية مقابل إجراء تغييرات على الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وهذا حديث في التفاصيل الفنية، ولكنه مهم للغاية لأن هذه التفاصيل هي ما يهم الجانب الإيراني لتبرير تراجعه عن مواقفه المتشددة وقبول «تجرع السم» مجددا.

الواضح ـ حتى الآن ـ أن سيناريو الصفقة يمضي وفق خطوط رئيسية أهمها تعويض إيران ماليا عن الخسائر التي لحقت باقتصادها جراء العقوبات الأمريكية، وأن النقاش يدور الآن حول تفاصيل التعويض وآليات تنفيذه، حيث قال الرئيس ترمب «نحن نتحدث عن تسهيلات في صورة خطاب ائتمان.. سيكون من دول عديدة.. سيتم سداده على الفور وبسرعة كبيرة» أي إن النقاش قد قطع أشواطا كبيرة نحو الخوض في التفاصيل وآليات التنفيذ، وهذا يعني أيضا أن هذا النقاش ليس وليد اجتماعات قمة السبع، بل بدأ منذ فترة طويلة وتبلور في هذه الصيغ التي تمت مناقشتها في فرنسا بحضور وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف للتباحث مع الوسيط الفرنسي.

يبدو أن ما تبقى هو «ضوء أخضر» من المرشد للرئيس روحاني للقاء نظيره الأمريكي، ويبقى أيضا الموعد والمكان الذي ستكون باريس إحدى أهم محطاته المحتملة، لرد جميل الوسيط الفرنسي على جهوده الكبيرة، وإن كان هناك بالطبع محطات أخرى مرشحة لاستضافة القمة، منها دول عربية لعبت دورا في الوساطة وأخرى أوروبية.

@salemalketbiar