زيد الفضيل

قاع اليهود والاستراتيجية الغائبة

السبت - 14 سبتمبر 2019

Sat - 14 Sep 2019

وقفت في مقال الأسبوع الماضي عند سؤالين، هما: ما دلالة احتفاظ يهود اليمن وغيرهم من أبناء اليهود العرب بشخصيتهم التراثية، وموروثهم الشعبي المنتمي لبلد المنشأ الذي عاشوا فيه؟ وكيف نستعيد وعينا الذي فقدناه خلال القرن الـ 20م في التعاطي مع قضيتنا الفلسطينية؟

دعوني ابتداء أقر بأننا كمنظومة عربية (سياسية وعسكرية وإعلامية ودينية) قد فشلنا في التعاطي الإيجابي مع تداعيات القضية الفلسطينية خلال القرن الماضي، إذ لم نتمكن من تحرير الأرض المحتلة وإخراج الصهاينة منها، بل وخسرنا كل معاركنا السياسية والإعلامية بعنجهية مقيتة، وبذهن متكلس خلال فترة القوميين العرب، ثم مع سيطرة حركات الإسلام السياسي، وفي المقابل لم نعمل على مساعدة ابن الأرض المحتلة بكل ما يجب علميا، واقتصاديا، واجتماعيا، ليتسنى له مواجهة قدره بالشكل المناسب، ناهيك عن عدم وعينا بأهمية نسج خيوط اتصال إيجابية مع أبناء وبنات مجتمع اليهود العرب (السيفارديم) الذين كانوا ولا يزالون أقرب إلينا في تفكيرهم ووعيهم الوجداني من نظرائهم من اليهود الغربيين (الإشكناز)، أولئك الذين تعاملوا معهم بدونية واضحة، وما أزمة يهود الفلاشا الأخيرة إلا مؤشر لهذا التمايز الطبقي الذي تعيشه دولة الكيان الصهيوني.

لقد فشلت إدارتنا للصراع مع العدو الصهيوني خلال المرحلة السالفة، وكنا كمن يقاد إلى ذلك الفشل دون وعي، وكان خطابنا المشحون بألفاظ الكراهية والازدراء انطلاقا من مضمون قومي ساذج، تلاه خطاب ديني مماثل له في الطريقة والأسلوب، سببا في تقطيع كل أشكال التواصل الوجداني مع فئات مجتمع يهود العرب الذين لم يجدوا أمامهم سوى الارتماء في أحضان التوجه الصهيوني.

وهكذا ضاعت فلسطين وأهلها من المسلمين، والمسيحيين، ثم من لحقهم من اليهود، في أتون معركة قوامها الرغبة في الإزالة من الوجود، وهو الشيء الذي لم ولن يتحقق بسهولة، وسيجد ممانعة وجودية من كل الأطراف، والكاسب فيها خسران كما يقال، ناهيك عن أن المنتصر الحقيقي فيها هو ذلك العقل الصهيوني المستفيد من بقاء الصراع مستعرا بين العرب والمسلمين من جهة، والثقافة اليهودية العربية من جهة أخرى، فيضمن استمرار تخندق اليهود الشرقيين معه، ولا سيما أنهم يمثلون قاعدة فاعلة في هرم المجتمع الإسرائيلي.

أمام هذا، يقيني أننا بحاجة ـ ونحن ندلف عتبة القرن الـ 21م ـ إلى إعادة تموضعنا في وتيرة الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب بشكل منهجي عادل، بعيدا عن حالة السقوط المخزي التي أعلنها بعض الجهلة ممن حسبوا على الإعلام غفلة وزورا، وبمنأى أيضا عن حالة تحامق الخطاب السياسي الصوتي التي لا يزال البعض محبوسا في حصونها المهترئة دون وعي وإدراك.

ما أحوجنا اليوم إلى أن نعيد نسج علاقاتنا عبر مؤسسات المجتمع المدني، بأهلنا من فلسطينيي 48 الذين اكتسبوا الجنسية الإسرائيلية بحكم قِدَم الاحتلال، ومع فلسطينيي الضفة الغربية وغزة الذين يكابدون أشد أنواع المعاناة الإنسانية من أجل العيش بكرامة، ومع الأسف فقد نسينا الطرفين في ظل أتون صراع محموم أجوف، ولم نتمكن من تقديم يد العون لهم، وتعزيز وجودهم تعليما، واقتصادا، ورعاية، فباتوا ـ مع مرور الزمن ـ الحلقة الأضعف على الصعيد المحلي في إطار أرض فلسطين المحتلة، وعلى الصعيد العربي والعالمي أيضا.

ما أحوجنا كذلك إلى نسج خيوط اتصال عملية بمختلف الجاليات اليهودية العربية في فلسطين المحتلة، والذين يرتبطون بنا بذاكرة تمتد لقرون طويلة، شكلت هوية جيناتهم بإرادة وبغير إرادة، وهو ما يمكن استنطاقه من حرصهم الشديد على التشبث بذلك التاريخ وتلك الهوية، إيمانا منهم بأنها أساس لوجودهم.

وأتصور أننا حين نتمكن من تحقيق ذلك، سنخرج بالصراع من طبيعته السلبية القاتلة، إلى شكله الإيجابي البناء، وسنتمكن من خلق دولة مدنية مشتركة، الخاسر فيها هو العقل الصهيوني بروحه الرأسمالية البغيضة.