عبدالله العولقي

الأيديولوجيا العقيمة تهدم الأوطان

الخميس - 12 سبتمبر 2019

Thu - 12 Sep 2019

مهما حاول أي تنظيم أيديولوجي أن يصنع دولة مدنية حديثة لها مقومات الحضارة، وتتصالح مع كل الشرائح المجتمعية فإن مصيره إلى الفشل لا محالة، ولنا في عبر التاريخ وعظاته صور مفجعة لمآسي الأيديولوجيا وأثرها في هدم وتفكيك المجتمعات البشرية.

اليوم، يقف الأوروبيون على عتبة متقدمة من الحضارة، صنعتها ثقافة تمنهجت على مبدأ التسامح والتعايش وقبول الآخر، وهذا المبدأ لا يفقهه أبدا أي أيديولوجي متزمت، وسر هذه الثقافة الساحرة أنها تشكلت بعد مآسي الحرب العالمية الثانية، فقد اتحد الأوروبيون حينها ضد كل قوى الأيديولوجيا المتطرفة كالنازية والفاشية وحتى الكنيسة المتشددة، وبعد انتهاء الحرب، أتت مرحلة البناء الثقافي الجديد، فتشكلت ذهنية حديثة تتقبل الآخر في عقيدته وجنسه ولونه، وإثرها توحدت الرؤى تجاه المستقبل الأوروبي، فأبدعوا في صنوف العلم وآفاق الفنون، حتى بلغوا من القوة والحضارة ما نراه اليوم.

في منطقة الشرق الأوسط، ابتلينا بأنظمة أيديولوجية عقيمة، تشكلت كسدود منيعة بين المجتمعات وبين آفاق التقدم الحضاري، وعلى الرغم من الرفض الشعبي والمجتمعي لحضورها إلا أنها لا تزال تتصدر المشهد السياسي في بعض الأنظمة، وعلى الرغم من جلاء خطورتها

على المجتمعات، إلا أن الذهنية العربية وحتى الفارسية والتركية لا تزال في مخاض عسر، وهي تحاول اليوم أن تتحرر من قيود الأيديولوجيا الدينية والقومية إلى آفاق من التسامح والحضارة.

إن المتأمل لذهنية الملالي في طهران أو حزب العدالة والتنمية في أنقرة، إضافة إلى أحزاب الإخوان المبعثرة على خارطة العرب، يجد الأيديولوجيا العقيمة تتكدس كثقافة متخلفة ورجعية لدى منتميها وأتباعها، وبما أن الأيديولوجيا العقيمة تتعارض مع طبيعة الفطرة الإنسانية فإن الأفول الأبدي هو مصيرها المحتوم، تماما كما انتهت الفاشية والنازية في أوروبا، فهذه حتمية تاريخية وصيرورة طبيعية في التاريخ البشري.

وأخيرا، تظل الدول الخليجية هي الأفضل استقرارا ونموا في المنطقة، ولعل القيادات الحكيمة - عدا النظام القطري - قد لعبت أدوارها المحورية في تحقيق أفضليتها المتقدمة، وهنا قد نتساءل لماذا نجحت الدول الخليجية بينما أخفقت الأنظمة الأخرى، أعتقد أن خلو الأيديولوجيا العقيمة من أبجدياتها هو أحد أهم تلك الأسباب، إضافة إلى حرص الخليجيين على ترسيخ مفاهيم حضارية كالتسامح والتعايش والمواطنة في مجتمعاتها، وهنا لا بد من العودة إلى الفقرة السابقة عندما استثنينا مفهوم حكمة القيادة من النظام القطري، والإجابة ببساطة كون التنظيم الحاكم في الدوحة محاصر بأيديولوجتين متناقضتين: الإسلام السياسي (تكدس زمر الإخوان في فنادق الدوحة) وقومية الفكر اليساري المتهالكة.

albakry1814@