علي أحمد المطوع

الثقافة بين الفعلين الرسمي والمدني

الاثنين - 09 سبتمبر 2019

Mon - 09 Sep 2019

الصالونات الرسمية للثقافة هي الأندية الأدبية بكل ما تحمله من إرث ثقافي وفكري ومعرفي، والصالونات الخاصة هي محاولات لبعض النافذين والمثقفين لصنع حراك ثقافي يكون بعيدا عن بيروقراطية اللوائح والأنظمة.

كان نادي أبها الأدبي موفقا وهو يطرح هذا الموضوع في أجندته الموسمية لهذا الصيف، وكان العنوان وما انبثق عنه من رؤى وأفكار أكثر توفيقا وهو يسلط الضوء على مكامن القصور ويشيد بالإيجابيات المنجزة والمرتقبة.

كلا الصالونين، الرسمي والخاص، يفترض أنهما يردفان المثقف والثقافة، ويجعلان المبدع قادرا على الحضور والتماهي مع الأقران، والتميز والانتشار بمواهبه وأفكاره وما ينتجه من أشياء.

وهنا نسأل: هل يُصنع المثقف؟ وهل الثقافة سلعة تنتج؟

الأندية الأدبية بوصفها القلعة الأكثر رسوخا وشموخا في مشهدنا الثقافي كانت وما زالت المنفذ الذي يشع من خلاله المثقف ويخرج نتاجه للناس مبشرا بولادة شاعر أو قاص أو ما شابه ذلك، هذه الأندية كالمطارات التي تقلع منها الطائرات تحمل الإنسان ليسافر خارج حدود مكانه وزمانه.

نعم صنعت الأندية الأدبية أعلاما وصدرت أسماء خالدة في تاريخ حراكنا الثقافي، ولكنها ما زالت عاجزة عن تصدير الثقافة كمنتج يقتاته الناس ويتداولونه قراءة واستطابة، تأثيرا وتأثرا يسهممان في تشكيل الذائقة وإعادة دوزنتها وضبطها على إيقاع هذه الأندية وحراكها الإنتاحي بأشكاله العديدة والمختلفة.

الأندية الأدبية ترزح تحت ما هو أخطر من اللوائح والأنظمة والمواد الإجرائية، فهي تعيش تحت أشكال من النمطية والرتابة جعلتها تعيد إنتاج منتجها واستهلاك رموزها سنين طويلة، وهذا جعلها تعيش عزلتين مريرتين، الأولى عزلة عن الإبداع وضروبه وأشكاله، والثانية عزلة عن المجتمع وأفراده.

العزلة الأولى بالنسبة لما تطبعه هذه الأندية من إصدارات ثقافية وفكرية، لا نشكك في جودة هذه الإصدارات، ولن نقول في المقابل إن إجازتها كانت وفق ضوابط صارمة تجعل الإبداع كمالا منتظرا، بين إيجاب وقبول، الإيجاب من لجان النشر وضوابطها، والقبول من القارئ، الإيجاب في المحتوى والقبول كمنتج يفترض أن يشع ويشيع تداولا بين المثقفين وأنصافهم.

أما العزلة الثانية فهي عزوف المجتمع عن مناشط هذه الأندية، وعدم قدرة هذه الأندية على جذب الناس واستمالتهم كجهة تنتج شيئا اسمه ثقافة بأشكال عدة.

في المقابل بعض الصالونات الخاصة بدأت منذ زمن لا بأس به، وشكلت حضورا مهما عند المثقفين والمهتمين بأشكال الثقافة، هذه الصالونات رسخت ما يشبه مأسسة الثقافة من خلال شكل مدني يقوم على المجتمع ورموزه، هذا الشكل من الحضور رفع من سقف الممارسة وجعلها في بعض الأحيان بلا سقف، خاصة أنها تدار بتلقائية بعيدة عن افعل كذا ودع كذا.

هذا السقف من الحرية أو الممارسة، وإن كان ينتج أشكالا ثقافية مختلفة، إلا أنه لم يسهم إسهاما فاعلا في تسليع الثقافة، وجعلها همّا مجتمعيا عند الناس، كل ما في الأمر أن بعض أصحاب هذه الصالونات قد زاد وهجهم وارتفع مستوى حضورهم كونهم المحور الأساس لأي نشاط منبري يكون داخل حرمهم الثقافي والاجتماعي.

والأمثلة كثيرة وعديدة، ولا داعي لذكرها، ولكن التأثير يبقى بسيطا وغير ملموس ليشجع الباحث على القول إن الصالونات الخاصة قد خدمت الثقافة والمثقفين.

نخلص من هذا إلى أن المحاضن الثقافية، سواء كانت رسمية أو خاصة، تحتاج إلى عملية تكاملية يكون نتاجها خدمة الثقافة والمثقفين، لذلك يبدو أن الاجتهادات هنا وهناك جعلت الفعل الثقافي نخبويا وكرست طبقية ثقافية داخل المؤسسات الرسمية والبيوتات الأخرى، هذه الطبقية زادت الفجوة بين المثقف والإنسان البسيط، وجعلت المجتمع يؤمن بفوقية المثقف وبعده عن ملامسة هموم إنسانه، فالمحاضن الرسمية رفعته لتعزله أكثر، والاجتهادات المجتمعية للفعل الثقافي رسخت قناعاته، ليصبح حراكه المكرور هو الثقافة متنا وهامشا وإطارا.

@alaseery2