محمد الحربي

ثقافة التهور

الاحد - 08 سبتمبر 2019

Sun - 08 Sep 2019

وصف الله عباده المؤمنين بأنهم الذين يمشون على الأرض هونا، وحذرهم بألا يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة، لكن هناك أشخاص يصرون على إلحاق الأذى بأنفسهم وبالآخرين حين يمتطي أحدهم صهوة سيارته ليخوض بها غمار معارك تهوره في الشوارع والطرقات، يقينا منه بأن الأرض أرضه والسماء سماؤه لا يشاركه فيهما أحد!

إذا أردت أن تتعلم الصبر، أو اختبار صبرك، جرب أن تقود مركبتك في أحد الشوارع أو الطرقات العامة وستصادف حينها أشخاصا لا مبالين بك ولا بالمارة، في تهور غير مبرر، وعجلة لا تفسير لها تتناقض مع عدم التزامهم بالمواعيد وإهمالهم للوقت الذي لا يقيمون له أي حساب!

خلال مشوارك القصير ستصادف معظم المخالفات المرورية التي تعرفها، أو تلك التي تجهلها ولم تخطر لك على بال، فهناك سائقون يأتونك من مختلف الاتجاهات دون سابق إنذار أو استخدام إشارات الانعطاف لليمين واليسار، وآخرون لا يعترفون بأخلاقيات المرور وقيادة المركبة ومراعاة الآخرين، وبعضهم ينشغل باستخدام تطبيقات التواصل في الجوال وينسى نفسه وسيارته.

أما ثالثة الأثافي فهي قيادة المركبة باستخدام طريقة (الكاميكازي)، وذلك بالانعطاف المفاجئ والدخول إلى الطريق أو الدوار وتجاوز السرعة النظامية دون التأكد من أحقية الآخرين بالمرور، واعتبار الطريق ملكا له لا يشاركه أحد فيه من قائدي المركبات والمارة!

من المؤلم والمحزن أن ثقافة التهور يشارك فيها قادة المركبات من مختلف الفئات السنية حتى الأطفال الذين يعدونها لعبة يمكن لهم ممارستها في الشوارع والطرقات بلا رقيب ولا حسيب، وبعلم وموافقة الوالدين في كثير من الحالات، مما أسهم في تزايد أعداد الوفيات والمصابين في الحوادث المرورية، حيث وصل عددها بحسب المصادر الرسمية لعام 2018 إلى 13221 حادثا، نتج عنها 1560 حالة وفاة، و10755 إصابة، ومن المؤكد أن الأعداد تتزايد خلال كتابة هذه السطور.

وعلى الرغم من الجهود التنظيمية والتوعية التي تقدمها الجهات ذات العلاقة، إضافة إلى الأنظمة الصارمة والعقوبات المتنوعة، خاصة نظام ساهر، إلا أنها لم تنجح في كبح جماح المتهورين الذين يعود بعضهم بعد قضاء مدة العقوبة إلى ممارسة التهور وإيذاء المارة وقائدي المركبات والسكان بالتفحيط وتدمير الممتلكات العامة، وغيرها من الممارسات التي تنم عن اللا مبالاة والشعور بالنقص ومحاولة لفت الانتباه، وجميعها مخالفات لا تتواءم مع الخلق الكريم والانتماء والوطنية والذوق العام والإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع بأفراده ومؤسساته.

قد يعد ما تم طرحه آنفا مشكلة أو ظاهرة مجتمعية، لكن التساؤل الذي يتكرر دائما: ما الحل؟

بكل تجرد وموضوعية،إن الحل يكمن في العمل على تغيير ثقافة التهور، وذلك بتوعية الأطفال منذ بداية أول سنة دراسية لهم بأخلاقيات القيادة الآمنة، وتدريبهم عمليا على الالتزام بأنظمة وتعليمات المرور لتصبح ثقافة لهم يطبقونها طوال حياتهم، لكن الأهم من كل ذلك أن نتحلى بالموضوعية والشجاعة الأدبية لتفعيل العقوبات المرورية على الجميع، والعمل على تفسير ومعالجة التزام هؤلاء المتهورين بأنظمة وتعليمات المرور بحذافيرها عندما يقودون مركباتهم خارج المملكة العربية السعودية، وهنا يتصرفون في الطرق والشوارع على النقيض تماما!

أكاد أجزم أنه يمكن عند ذلك الأخذ على أيديهم والحد من ثقافة الفوضى والتهور، وصولا إلى إيقافها والتخلص منها ومن تهور أصحابها، وهي غاية يصعب تحقيقها، لكنها ليست مستحيلة.