زيد الفضيل

قاع اليهود والأرض الموعودة

السبت - 07 سبتمبر 2019

Sat - 07 Sep 2019

حين وصلتني قبل أيام معدودة رواية «قاع اليهود» للشاعر والروائي السعودي علي الأمير، تذكرت فورا حارة «قاع اليهود» المشهورة في صنعاء التي عاش فيها اليهود قرونا طويلة من الزمن، لا يخالطهم فيها أحد من غيرهم، فكان أن احتفظوا بثقافتهم الدينية، ومارسوا طقوسهم التعبدية بحرية تامة، ولم يكن الأمر قاصرا على صنعاء فحسب، إنما كان متعديا لكل المواضع التي تمركز فيها اليهود في مختلف أرجاء اليمن.

في هذه الرواية اختار الكاتب أن يتمثل القاع في عمقه الوجودي، من خلال التبحر في ملامح الشخصية النسوية اليهودية، وما نسجه من علاقات وجدانية مع بطل الرواية الطالب العربي المسلم خالد، وحتما فالمرأة في نظري تعكس كل الوجود، وكأني بالكاتب قد اختارها مدخلا كبيرا لتجسير العلاقة الوجدانية بين ثقافتين سماويتين.

وفي هذا فقد شاع في الثقافة اليمنية الشعبية مقولة أحد اليمنيين البسطاء الذي أحب بنتا يهودية، وحين أراد الزواج منها ذكّره كبير القوم بأنها يهودية، فردّ عليه قائلا «يا سيدي اليهودية في البيت»، في إشارة منه إلى زوجته المسلمة، وفي قصة شعبية أخرى قال ذلك اليمني المحب لكبير قومه في محضر دفاعه عن حبيبته اليهودية، وبيان عزمه على الزواج منها، دون مراعاة للفوارق الدينية «يا سيدي إما أن يَتَهَوَّد أحمد أو تُسلم سعيدة».

أشير إلى أني قد نشرت قديما دراسة علمية في مجلة «الفيصل» بعنوان «يهود اليمن النشأة والتكوين»، وأبَنتُ فيها جذرَ الوجود اليهودي في اليمن، وخصائصهم الدينية والاجتماعية، وكيف كفل المجتمع اليمني المسلم حقوقهم على مر التاريخ، بل كيف كانت لهم الحصانة المانعة من القتل والتعدي في العرف القبلي، وعناية الأئمة بسلامة حقوقهم وصولا إلى عهد الإمام يحيى حميد الدين، الذي اختار اليهود الخروج في عهده وعهد ولده الإمام أحمد، فلم يقفا حائلين أمام رغبتهم، إيمانا منهما بأن ذلك حق من حقوقهم التي كفلها الإسلام لهم.

وكان أن تقاطر اليهود للخروج من اليمن في عملية «بساط الريح» إلى الولايات المتحدة الأمريكية أولا ثم إلى إسرائيل، تاركين بيوتهم في صنعاء وشبام وغيرهما من مدن اليمن وقراها، بعد أن باعوها لليمنيين. أشير أيضا إلى أني قد أوضحت في الدراسة المشار إليها سلفا، سبب اختيار اليهود العيش في حارات خاصة بهم، وذلك رغبة منهم في الحفاظ على خصائصهم، وخوفا من تلاشيهم مع مرور الزمن ضمن إطار المجتمع المسلم، ولا سيما أن المسلمين لم يكونوا ممانعين لوجودهم والزواج منهم بحكم أنهم من أهل الكتاب، ولم يكن ذلك خصيصة لليمن فقط، بل شمل حال اليهود في العراق ومصر والمغرب والشام وغيرها.

اللافت في الأمر أن اليهود الشرقيين «السيفارديم» ومن بعد اجتماعهم في أرض فلسطين المحتلة، وضمن دولة الكيان الغاصب «إسرائيل»، لم يتخلوا عن كثير من عاداتهم وتقاليدهم التي ألفوها خلال وجودهم التاريخي في مناطقهم الأصيلة؛ فلا يزال اليهود اليمنيون محافظين على أهازيج اليمن الجميلة، وعلى مختلف العادات والتقاليد التي تجذرت في وجدانهم بحكم عمق الوجود التاريخي في أرضهم اليمنية، فتراهم يرقصون رقصة البَرَع والدَّعْسَة الصنعانية وغيرها من الرقصات التراثية مثلا، ويأكلون الحلبة وبنت الصحن وغيرهما من المأكولات الشعبية، بل ويحافظ عديد من كبارهم على عادة تدخين الشيشة الحُمّي، أو ما يُعرف باللهجة اليمنية بـ «المَدَاعَة»، ناهيك عن جلسات المَقْيَل، إلى غير ذلك من السمات اليمنية التي حافظوا عليها قدر إمكانهم.

ويأتي السؤال: هل لذلك دلالة؟ وكيف نستعيد وعينا الذي فقدناه في التعاطي مع قضيتنا الفلسطينية خلال القرن العشرين الميلادي؟

@zash113