من خطب الجمعة

الجمعة - 06 سبتمبر 2019

Fri - 06 Sep 2019

استقبلوا عامكم بالطاعات

«دلائل سعة رحمته - سبحانه - وواسع فضله على عباده، وإرادته الخير بهم، تبدو جلية بينة في سعة وتعدد أبواب الخير التي أمرهم ووصاهم بها، ودلهم عليها، ووجه أنظارهم إليها، بما أنزل عليه من البينات والهدى في محكم الكتاب، وبماء جاءهم به رسوله المصطفى، ونبيه وحبيبه المجتبى - صلوات الله وسلامه عليه - فيما صح سنده من سنته، وما ثبت به النقل من هديه وطريقته، عليه الصلاة والسلام.

إنها لأبواب خير مشرعة في كل حين، وإنها لتستغرق كل أيام العام؛ فليس شهر من شهوره إلا ولأيامه أو لياليه وظائف ينجو منها العبد إلى جمهرة من الطاعات، وحشد من القربات، يزدلف بها إلى مولاه، وتقر بحسن الثواب عليها عيناه، وإذا كان المسلم قد ختم عامه بعبادة ربه المتمثلة في حج بيته والعمرة، وذكره - سبحانه - في أيام التشريق، والتقرب إليه بذبح ونحر الهدي والأضاحي، وبصيام يوم عرفة من غير الحاج، وغيرها من القرب الواقعة في شهر ذي الحجة آخر شهور العام؛ فإنه يفتتح عامه بعبادة ربه المتمثلة في صيام شهر الله المحرم أول شهور العام، الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن صيامه أفضل الصيام بعد رمضان، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه وأصحاب السنن في سننهم.

وهذا باعث له على تذكر أن العبادة هي الغاية التي خلق لها، والمقصود الذي ذرأه الله في الأرض لأجله، تلك الغاية، ذلك التذكر الذي يفضي به إلى دوام استحضار الحقيقة التي تغيب عن أذهان كثير من الناس مع قوة رسوخها، وشدة وضوحها، وقيام الدليل الصريح عليها من كتاب الله تعالى، وهي أن حياة المسلم كلها وأعماله كلها لله خالقه ورازقه ومالكه، والمتصرف في كل شؤونه بما يشاء كيف شاء، وأن عليه لذلك أن يجعله - سبحانه - مقصوده ومبتغاه، وقبلة قلبه، وغاية عمله.

إن الصيام في شهر الله المحرم آكد وفيه صوم يوم عاشوراء؛ فإن فيما ورد من الجزاء الضافي والأجر العظيم لمن صام يوم عاشوراء، من مثل ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سئل عن صوم عاشوراء، فقال (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يتحرى قبله على الأيام إلا هذا اليوم، يعني: يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني رمضان).

أسامة خياط - المسجد الحرام

سرعة الزمان


«إن تقلب الأيام والليالي وسرعة الزمان وتغير الأحوال لدليل على الزوال والمآل وعبرة لمن تعلق بالآمال، فإن كل عام له أقداره وآجاله، ولهذا ينبغي اغتنام فرصة العمر والحياة بتقديم أزكى الأعمال.

إن الزمان يمضي والعمر يسير ولا مجال للهو والعبث والفراغ والسرف، كما أن في انصراف الزمان وتقلب الأيام لأعظم مزدجر، وإن الظلم محرم في سائر الشهور ولكنه في الأشهر الحرم أعظم حرمة، كما الطاعات فيهن أجرها عظيم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس ذا الحجة؟» قلنا: بلى، قال: فأي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس البلدة؟ قلنا: بلى، قال: فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه، ثم قال: ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ قلنا: نعم، قال: اللهم اشهد).

إن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عاشوراء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: (ما هذا؟) قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى. قال (فأنا أحق بموسى منكم) فصامه وأمر بصيامه».

عبدالله البعيجان - المسجد النبوي