الجورنالجي واغتيال الصحافة
السبت - 31 أغسطس 2019
Sat - 31 Aug 2019
نشر الصديق طارق زيدان في كتابه النفيس المزمع إصداره قريبا تحت عنوان «الجورنالجي وكاتم الأسرار»، بعض حوارات شيقة بين قامتين كبيرتين في صحافتنا العربية، هما: محمد حسنين هيكل من مصر، ومصطفى ناصر ورفاقه من لبنان. في تلك الحوارات يمكن أن نلحظ قيمة المعلومة ودقتها، وبعد الخبر وتحليله، وعمق فهم الدلالة وتأثيرها، ولعمري فتلك هي وظيفة الصحفي الذي تم اغتياله اليوم بشكل ممنهج، حتى لم يعد له أثر يرتجى، ولا سيما في صحافتنا الوطنية، أمام توغل ما بات يعرف اصطلاحا بـ «الإعلام الجديد» الذي أخذه البعض انطلاقا من أسباب خاصة، شماعة لتدمير مهنة الصحافة بقواعدها ومرتكزاتها.
وفي واقع الحال، لست في وارد المقارنة بين الإعلام الورقي في مقابل الالكتروني، ولا مشاحة في تفوق الإعلام الالكتروني (المكتملة أبوابه، والمنطلق من مهنية خلاقة) بحكم طبيعة الظرف المعاصر، وتفوق التقنية، لكن المؤلم اغتيال شخصية الصحفي وروحه التواقة للبحث، والتحري، والمتابعة، وفق أسس ومعايير منضبطة، في مجرى الانتصار لظاهرة إعلام جديد غير واضح المعالم والمعايير.
والسؤال: لمصلحة من يتم ذلك؟ من المستفيد من ضياع هوية الشخصية الصحفية الحقيقية؟ لماذا يستأنس البعض تدمير مقدراتنا باسم التحديث والإعلام المعاصر، ودون أن يكون لديهم أي برنامج لتأسيس قواعد نرتكز عليها في مرحلتنا الجديدة؟
أسئلة تعن في خاطري، ولا أجد لها إجابة واضحة، خاصة حينما أرى بعض مؤسساتنا الكبرى وهي تنزلق في تعضيد مثل هذا الغبش الذي نسميه تجاوزا «إعلاما جديدا»، وتسهم في اغتيال وتدمير مهنة عريقة يمكن تحديثها، وشخصية فاحصة علينا ألا نهمله ونقضي عليه.
أشير إلى حالة المخاتلة في لفظة «الإعلام الجديد»، فهي من حيث الشكل والدلالة تعني الإعلام الالكتروني المعاصر، في مقابل الإعلام التقليدي أو القديم، وتفترض أن المنخرط فيه هم من الإعلاميين المتمرسين الذين تدربوا في أروقة صناعة الخبر ومعامل تحليله، وتدرجوا في مهارات الصياغة ودلالاتها، وباتوا يدركون الفوارق الواضحة بين النص الخبري المؤول والواضح، إلى غير ذلك من المهارات التي يكتسبها الصحفي بالتدريب والممارسة، على يد أساتذة كبار تشربوها أيضا بالتدريب والممارسة، وهكذا تصنع التراتبية والمجايلة أنهارا من المحترفين العارفين بحقيقة وظيفتهم التي أطلق عليها في يوم من الأيام «السلطة الرابعة»، وتم تبجيل وعائها الوظيفي بوصفها «صاحبة الجلالة».
على أن كل ذلك يتهاوى حين ندرك أن مسمى الإعلام الجديد قد أصبح قرينا لما نسميه بـ «السوشال ميديا»، وعلى رأسهم مشاهير «السناب»، علاوة على غيرهم من مدوني الشبكة العنكبوتية الذين يسارعون إلى كتابة ما يصلهم دون تحقيق، وآخرين ممن ألفوا التقاط صور بهواتفهم النقالة لأي حدث يرونه دون تثبت وتدقيق.
هكذا وبقدرة قادر أصبح الفارغون يحركون مشهدنا الإخباري، وباتوا نجوما يتم استقطابهم، والناس من خلفهم لا يدركون حجم الكارثة التي يمكن أن نصحو عليها. ففرق بين من يمتهن البحث عن الحقيقة ويتجرع من أجلها الصعاب، ثم يخرجها بشكل مجرد، وهو ما نسميه إعلاما؛ وبين من يتم استئجاره ليقول ما يقال له، ويصور ما يتاح له، ويظهر ما أراد مستأجره أن يظهره، وهو ما نسميه إعلانا. وفي قناعتي فإننا كمؤسسات ومجتمع متى ما عرفنا الفرق بين هوية الإعلام والإعلان، سنحقق بعض خلاصنا المنشود.
بقي أن أشير إلى أننا ولمصلحة وطنية يجب أن ننتصر لمفهوم مصطلح «الإعلام المهني»، الذي يقتضي من الممتهن له الحصول على دورة متخصصة في صناعة الخبر وتحليله من جهات أكاديمية متخصصة، ويكون الأمر متاحا لمن أراد من ممتهني «السناب» الالتحاق بتلك الدورات المتخصصة، في حال رغبتهم الانتقال من حالة الإعلان إلى الإعلام. فهل إلى ذلك سبيل؟
@zash113
وفي واقع الحال، لست في وارد المقارنة بين الإعلام الورقي في مقابل الالكتروني، ولا مشاحة في تفوق الإعلام الالكتروني (المكتملة أبوابه، والمنطلق من مهنية خلاقة) بحكم طبيعة الظرف المعاصر، وتفوق التقنية، لكن المؤلم اغتيال شخصية الصحفي وروحه التواقة للبحث، والتحري، والمتابعة، وفق أسس ومعايير منضبطة، في مجرى الانتصار لظاهرة إعلام جديد غير واضح المعالم والمعايير.
والسؤال: لمصلحة من يتم ذلك؟ من المستفيد من ضياع هوية الشخصية الصحفية الحقيقية؟ لماذا يستأنس البعض تدمير مقدراتنا باسم التحديث والإعلام المعاصر، ودون أن يكون لديهم أي برنامج لتأسيس قواعد نرتكز عليها في مرحلتنا الجديدة؟
أسئلة تعن في خاطري، ولا أجد لها إجابة واضحة، خاصة حينما أرى بعض مؤسساتنا الكبرى وهي تنزلق في تعضيد مثل هذا الغبش الذي نسميه تجاوزا «إعلاما جديدا»، وتسهم في اغتيال وتدمير مهنة عريقة يمكن تحديثها، وشخصية فاحصة علينا ألا نهمله ونقضي عليه.
أشير إلى حالة المخاتلة في لفظة «الإعلام الجديد»، فهي من حيث الشكل والدلالة تعني الإعلام الالكتروني المعاصر، في مقابل الإعلام التقليدي أو القديم، وتفترض أن المنخرط فيه هم من الإعلاميين المتمرسين الذين تدربوا في أروقة صناعة الخبر ومعامل تحليله، وتدرجوا في مهارات الصياغة ودلالاتها، وباتوا يدركون الفوارق الواضحة بين النص الخبري المؤول والواضح، إلى غير ذلك من المهارات التي يكتسبها الصحفي بالتدريب والممارسة، على يد أساتذة كبار تشربوها أيضا بالتدريب والممارسة، وهكذا تصنع التراتبية والمجايلة أنهارا من المحترفين العارفين بحقيقة وظيفتهم التي أطلق عليها في يوم من الأيام «السلطة الرابعة»، وتم تبجيل وعائها الوظيفي بوصفها «صاحبة الجلالة».
على أن كل ذلك يتهاوى حين ندرك أن مسمى الإعلام الجديد قد أصبح قرينا لما نسميه بـ «السوشال ميديا»، وعلى رأسهم مشاهير «السناب»، علاوة على غيرهم من مدوني الشبكة العنكبوتية الذين يسارعون إلى كتابة ما يصلهم دون تحقيق، وآخرين ممن ألفوا التقاط صور بهواتفهم النقالة لأي حدث يرونه دون تثبت وتدقيق.
هكذا وبقدرة قادر أصبح الفارغون يحركون مشهدنا الإخباري، وباتوا نجوما يتم استقطابهم، والناس من خلفهم لا يدركون حجم الكارثة التي يمكن أن نصحو عليها. ففرق بين من يمتهن البحث عن الحقيقة ويتجرع من أجلها الصعاب، ثم يخرجها بشكل مجرد، وهو ما نسميه إعلاما؛ وبين من يتم استئجاره ليقول ما يقال له، ويصور ما يتاح له، ويظهر ما أراد مستأجره أن يظهره، وهو ما نسميه إعلانا. وفي قناعتي فإننا كمؤسسات ومجتمع متى ما عرفنا الفرق بين هوية الإعلام والإعلان، سنحقق بعض خلاصنا المنشود.
بقي أن أشير إلى أننا ولمصلحة وطنية يجب أن ننتصر لمفهوم مصطلح «الإعلام المهني»، الذي يقتضي من الممتهن له الحصول على دورة متخصصة في صناعة الخبر وتحليله من جهات أكاديمية متخصصة، ويكون الأمر متاحا لمن أراد من ممتهني «السناب» الالتحاق بتلك الدورات المتخصصة، في حال رغبتهم الانتقال من حالة الإعلان إلى الإعلام. فهل إلى ذلك سبيل؟
@zash113