وثائق: القتل والدمار عقيدة إيران

الأحد - 25 أغسطس 2019

Sun - 25 Aug 2019

يجمع عدد من الكتب التاريخية والأبحاث العسكرية على أن القتل والدمار عقيدة رئيسة في التفكير الإيراني، وتذهب إلى أبعد من ذلك، وتؤكد وجود تأثيرات تاريخية وأيديولوجية من قرون عدة لعبت دورا محوريا في دعم النظام الحالي للإرهاب، واعتماده بشكل كبير على وكلاء الشر لنشر الفتنة والكراهية في المنطقة، وتكدير السلم العام في شتى بقاع المعمورة.

ويكشف كتاب بعنوان «الجيش الإيراني التقليدي، وتطور شرعيته على ثلاثة عقود من أنظمة الملالي» ارتباط الإيرانيين بما يسمونهم «الفدائيين» و»المجاهدين» خلال الجزء الأول من القرن العشرين، قبل أن يتحولوا في الأربعين عاما الماضية إلى ميليشيات مسلحة تخوض حرب عصابات في كثير من الدول، بهدف تصدير الثورة الخمينية التي تقوم على الفوضى والإرهاب والقمع وكبت الحرية والاغتيالات.

الذكريات التاريخية والمخاوف الأيديولوجية التي تشكل مقاربة الجمهورية الإيرانية للحرب والعقيدة العسكرية، تعتمد على بعض الموروثات وتستمر في تشكيل الجيش الإيراني للأجيال القادمة، بما في ذلك الحاجة إلى جيوش مزدوجة ومفاهيم الاستشهاد، وما بعد الحرب بين إيران والعراق.

عوامل متداخلة تأثر بها الإيرانيون منها الإمبراطورية الفارسية، السلالة الصفوية، الدولة البهلوية، وبحسب بحث بعنوان «الأيديولوجية والبراغماتية في السياسة الخارجية الإيرانية»، لا يوجد سجل واضح باللغة الفارسية لأن التقاليد العسكرية كانت في معظمها شفهية.

العوامل المؤثرة على التفكير الإيراني:

الدين

يمثل تبجيل الشهادة مبدأ رئيسا في الفكر الديني الإيراني والخطابة السياسية، بدأ من القتلة الأسطوريين في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وكان الدافع وراءه وعود الجنة والرغبة في محاربة الصليبيين المسيحيين، ومنذ تحويل الإمبراطورية الفارسية إلى الإسلام الشيعي في القرن السادس عشر في عهد الأسرة الصفوية، ظهر مبدأ تبجيل الشهيد الذي يتحدى العدو الأقوى بشكل أقوى، وأصبح موضوعا متكررا في خطاب الحرس الثوري الإيراني منذ تأسيسه، وظهر في أول مفجرين انتحاريين حديثين في ميليشيات حزب الله اللبنانية التابعة للحرس الثوري الإيراني في أوائل الثمانينات بحسب موقع راند.

ووفقا لكتاب «الجيش الإيراني التقليدي، وتطور شرعيته على ثلاثة عقود من أنظمة الملالي» ارتبط الإيرانيون بما يسمونهم «الفدائيين» و»المجاهدين» عندما بدأت مجموعة من القوميين الفرس الغاضبين من الحكم البائس لسلالة قاجار المتدهورة، والسلوك الإمبراطوري الثقيل لروسيا والمملكة المتحدة، تنظيم أنفسهم في مدن عدة.

لم تقاتل هذه المجموعات فقط لمقاومة الهيمنة البريطانية أو الروسية، بل أصبحوا لاعبين رئيسيين في الدفع باتجاه الإصلاح خلال الثورة الدستورية عام 1906، وتحولت هذه الحركة إلى مفهوم رئيس في فكر الحرس الثوري الإيراني وأسلوبه في الحرب، خاصة في حروبه بالوكالة بالخارج.

الجيوش المزدوجة

يذهب بحث صادر عن جامعة برانديز، حول تطور القوات العسكرية في إيران، إلى أن المشكلة تتمثل في عجز القيادة المركزية في تكوين جيش كبير وقيادته دون أن تظل تلك القوات في نهاية المطاف مملوكة للقبائل أو المدن التي نشأت منها.

كان الشاه يجبر عادة على التسوية مع أمراء الحرب المحليين البارزين للحفاظ على الجيش الإمبراطوري وتوجيهه، وتسببت هذه الحالات أيضا في عدم ثقة كبيرة بين الملك وجيشه، مما أدى في كثير من الأحيان إلى قيام الشاه بتأسيس قوات نخبة أصغر يمكن أن تكون مدربة بفعالية لتبقى مخلصة له وحده، ومن هذه القوات:

- لواء القوزاق الفارسي، أنشئ في سبعينات القرن التاسع عشر، وصمم على غرار لواء القوزاق الإمبراطوري روس سيان، وقاده رضا شاه، الذي تزعم انقلابا على شاه قاجار الأخير في 1921 ثم أسس سلالة بهلوي في 1925، وهو ضابط يعمل أسير حرب في لواء القوزاق.

- قوات الدرك الفارسية، أنشأتها الحكومة عام 1910 لحراسة الطرق وحماية المدن، واستيعاب معظمها لوحدات المجاهدين ذات التوجه المحلي، وبالنظر إلى عجز القوات المسلحة التقليدية عن الحفاظ على الاستقرار الداخلي، دمج رضا شاه فيما بعد لواء القوزاق (القوة القتالية الأكثر فاعلية في إيران) وقوات الدرك (القوة القتالية الأكثر ثقة في إيران) كأساس لجيشه الإمبراطوري الجديد.

واستمر هذا النمط من الجيوش الثنائية، وفق بحث بعنوان «مسار إيران يعتمد على العقيدة العسكرية»، حيث يتمتع واحد منها فقط بثقة القيادة الوطنية، خلال ثورة 1979، حيث أنشأ آية الله روح الله الخميني الحرس الثوري الإيراني كقوة موالية له وللثورة الإيرانية، ومع ذلك، تم الإبقاء على جيش إيران التقليدي لأن حل جيش الشاه بالكامل كان من شأنه أن يترك الدولة شبه معزولة عن الأعداء الأجانب.

التأثير الأجنبي

كان تأثير الولايات المتحدة على الجيش الإيراني بعد الحرب العالمية الثانية مهيمنا، فالرغبة في التحديث سرعان ما دفعت محمد رضا لتبني فكر الغرب، فمن عام 1946 إلى عام 1979، اضطلع الجيش الأمريكي بدور كبير في تدريب وتجهيز قوات إيران العسكرية.

وفي عام 1950 كانت الولايات المتحدة مسؤولة تقريبا بالكامل عن تدريب وتجهيز القوات المسلحة الإيرانية، وبحسب وثيقة بعنوان «المبيعات العسكرية الأمريكية لإيران» لم يتضمن التدريب عمليات نقل الأسلحة والتعليم فحسب، بل أيضا ترجمة أدلة وأنظمة الجيش الأمريكي والمساعدة في تصميم خطط الحرب، وكذلك عمليات نقل المعدات والعربات المدرعة الأمريكية والمدفعية ذاتية الدفع وصواريخ TOW ودبابات M-47 ودبابات M-60 وأربع كتائب أمريكية من طراز I-HAWK SAM إضافة إلى 220 طائرة حربية مروحية أمريكية ونحو 400 طائرة هليكوبتر أخرى.

واستثمر الشاه بكثافة في سلاحه الجوي، ولم يكتسب فقط طائراتF-5 Tigers ولكن أيضا قاذفات F-4 Phantom وF-14 Tomcats. انشق بعض أفراد جيش الشاه وخاصة سلاح الجو بعد ثورة 1979، وأخذوا معهم المعرفة والمهارات التي اكتسبوها من المدربين الأمريكيين والأجانب.

وذكر المؤلف الكندي المتخصص في التاريخ الإيراني كيف فاروق في مدونته، أنه على الرغم من تهالك الطائرات من نوع F-4 Phan-tom إلا أنها ما زالت تحتفظ ببعض القدرات التشغيلية، كما شوهد في أواخر عام 2014، عندما قامت الطائرات المقاتلة من طراز s F-4 Phantom بغارات جوية عدة في محافظة ديالى بالعراق.

الحرب الإيرانية العراقية

بحسب ما ورد في بحث «مسار إيران يعتمد على العقيدة العسكرية» تم الاحتفاظ بتقنيات ومناهج الحرب الغربية التي امتلكها الجيش إلى حد كبير بعد 1979، ولكن نقلت القوة في الغالب إلى الدفاع عن الأراضي الإيرانية. وكما تم تطهير القادة بشكل منهجي، خاصة بعد محاولة انقلاب في 1980 من قبل القوات الجوية الإيرانية، وكان الجيش بعد الثورة في حالة من التغير التام عندما غزاه صدام حسين في 1980، وكان الحرس الثوري الإيراني منظمة جديدة تماما تم تجميعها عندما اندلعت الحرب بين إيران والعراق، وكانت مهمتها الأولى هي الدفاع عن النظام من الثورة المضادة، وليس الانخراط في قوة عسكرية إقليمية مثل جيش صدام.

وعلى الرغم من أنه كان يمتلك الشغف الثوري لتحمل المشقة والمثابرة، إلا أن الحرس الثوري وقتها لم تكن له أي تقاليد، ولم يكن هناك مستشارون عسكريون أجانب وكانت المساعدة الدولية قليلة، فكان يفتقر إلى ثقافة التخطيط الاستراتيجي، وقد أبرز هذا القائد محسن رزائي قائد الحرس الثوري الإيراني السابق، والذي أشار إلى أن القائد العام أكبر هاشمي رفسنجاني لم يطلب أبدا أي خطط عسكرية لتحقيق النصر الإيراني على العراق من 1982 حتى قبل فترة وجيزة من انتهاء الحرب في 1988.

وبسبب هذه القيود، اتخذ الحرس الثوري الإيراني نهجا خاصا خلال الصراع المستمر منذ ثماني سنوات، وفي أعقاب الحرب أسس الحرس الثوري الإيراني عددا من المجلات ومؤسسات الفكر والمؤسسات التعليمية الأخرى المكرسة لفهم دروس الحرب، والتي دفعتهم إلى التفكير في عدد من المحاور، هي:

الحرب بالوكالة

دفعت الحرب بين إيران والعراق الحرس الثوري الإيراني إلى إيجاد طرق جديدة لمحاربة الأعداء التقليديين مثل العراق والولايات المتحدة ونشر مهمتها المنطقية لتوسيع نطاق وصول الثورة الإيرانية إلى بقية العالم، حيث أراد الحرس الثوري الإيراني مواصلة التدخل التقليدي، فطلب نشر ألوية في سوريا ثم لبنان، وعندما رفض الأسد الوجود العلني للقوات الإيرانية في طقوسه، تحولت القيادة الإيرانية نحو مهمة إسداء المشورة للجيش السوري.

وبدأ الحرس الثوري الإيراني العمل مع بعض مجموعات الميليشيات الشيعية الموجودة في لبنان لبناء حزب الله اللبناني الذي وجد من أجل توسيع نفوذ إيران الأيديولوجي، واستنادا إلى نجاح حزب الله اللبناني، وجدت إيران طريقا للمضي قدما مع الوكلاء لتعزيز أهداف السياسة الخارجية، وكان تشكيل الوكلاء الذين ينفذون ما يأمرون به، مثل حزب الله اللبناني والمجموعات الإقليمية اللاحقة مختلفا عن المجاهدين والفدائيين القدامى، حيث كانت تشترك خصائصهم مع مجموعات حرب العصابات الماوية والماركسية في الستينات والسبعينات ومع المجاهدين الأفغان الذين يقاتلون السوفيت في أفغانستان.

الحرب غير المتماثلة

النزاع بين الولايات المتحدة وإيران خلال حرب الدبابات 1987 حرض على ظهور قوة بحرية تابعة للحرس الثوري الإيراني تتألف من قوات صغيرة، للزوارق الصغيرة وصواريخ كروز ضد قوة البحرية الأمريكية، وعلى الرغم من أن النصر لم يكن حليفها إلا أنها سببت عددا من المشاكل، فالحرب بقوى غير متماثلة كان نهج إيران.

الصواريخ الباليستية

بدأ صدام حسين حرب المدن عام 1984 بإرسال صواريخ باليستية إلى المدن الإيرانية لإرهاب السكان، واستجابت القيادة الإيرانية في نهاية المطاف بطريقة مماثلة، لكنها كافحت لتطوير إنتاج الصواريخ وإطلاقها واستهدافها على قدم المساواة مع العراق، لكن التأثير النفسي للصواريخ العراقية كفل استمرار إيران في التركيز على برنامجها الصاروخي باعتباره محور قوتها العسكرية التقليدية لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب.

تأثير الولايات المتحدة

إذا وضعنا العراق جانبا، لم تهدد أي قوة وجود إيران كما فعلت الولايات المتحدة، وعززت حرب الخليج العربي عام 1991 وعملية تحرير العراق في 2003 تفوق القوة التقليدية الأمريكية في أذهان المفكرين العسكريين الإيرانيين، وغرست هذه الحروب مركزية تطوير مذاهب للدفاع عن المزايا الكامنة لطريقة الحرب الأمريكية وإقناعها وتقويضها، وأبرز هذه العوامل بحسب معهد الولايات المتحدة للسلام:

* الدفاع السلبي، الذي طور بعد حرب الخليج العربي لحرمان القوات الجوية والصاروخية الأمريكية من القدرة على تحديد وتدمير الأهداف الإيرانية الحرجة بشكل فعال.

* دفاع الفسيفساء، الذي طور بعد الغزو العراقي لمقاومة الغزو وتعبئة قوة حرب عصابات كبيرة متناثرة، على غرار الفدائيين، لاستعادة البلاد؛ ويركز سلاح البحرية في الحرس الثوري الإيراني على توسيع نطاق المغلف من الصواريخ والغواصات الخاصة بالعمليات البحرية الأمريكية في الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب.

نظام الملالي بدأ بالمجاهدين قبل أن يصدر الثورة الخمينية بالميليشيات المسلحة

وكلاء الشر يعملون بطريقة حرب العصابات وينفذون الأوامر دون تفكير

حزب الله أطلق أول مفجر انتحاري في العالم برعاية وتوجيه إيراني

صدام حسين دفع نظام طهران إلى تطوير إنتاج الصواريخ الباليستية

تبجيل الشهادة مبدأ رئيس في الفكر الديني الإيراني والخطابة السياسية

الأكثر قراءة