زيد الفضيل

اليمن ولبنان.. صورة وكتاب

الأحد - 18 أغسطس 2019

Sun - 18 Aug 2019

أؤمن بأن حجم التعقيد كبير في شبكة العلاقات ضمن إطار المجتمع اليمني، وأؤمن بأن هناك شبها واضحا في بعض أوجه هذا الأمر بين اليمن ولبنان بوجه خاص، إذ تتقاطع فيهما الخطوط بشكل مذهل، بحيث لا يستطيع أحد التمييز بين اتجاهاتها إلا إن كان مستوعبا ذهنا وروحا لأطر المجتمع المحلي بخلفيتيه التاريخية والجغرافية، ثم ما يتعلق بذلك من شأن مجتمعي واقتصادي وثقافي، وبالتالي من المهم لمن أراد فهم اليمن أو لبنان أن يعي أبعاد شخصية المكان (الجغرافيا)، وأن يدرك عمق الزمان (التاريخ)، ويستوعب جوهر مكنون النفس وطبيعة تأثيرها على العلاقات القرابية (المجتمع).

في اليمن كما لبنان يمكن أن ترى المتحاربَين بشراسة، الراغبَين في قتل بعضهما متى ما أمكنهما ذلك في الميدان، يجلسان بأريحية واطمئنان حال لقائهما خارج الميدان، سواء على طاولة مفاوضات، أو لقاء تشاوري برعاية وسيط خارجي، ولوهلة يظن من لا يعرف كنه الخصائص السالفة أن الفريقين على وفاق، وأن ما بينهما من تحارب ليس إلا مشهدا سرياليا، والواقع عكس ذلك كليا.

لهذا، دائما ما أطرح استفسارا على كل من يفتئت بالتعليق متحمسا لموقف هنا أو هناك، وهو: هل تعرف واقع هوية الإنسان اليمني من حيث تكوينه الجغرافي المنقسم إلى ثلاث مناطق بالكلية، وهي: يمن شمالي، وجنوبي بتقسيماته الجغرافية، علاوة على يمن أوسط؟ ثم هل تعرف الخصائص المميزة لكل منطقة على حدة؟ إذ يمكن أن تختلف تلك الخصائص من قرية لأخرى، ومن مدينة لمدينة، وبالتالي من محافظة لمحافظة؛ فمثلا تصنف محافظتا إب وتعز بأنهما من المناطق الوسطى في اليمن، لكن التمايز بينهما كبير في الخصائص والمؤثرات، في الذهنية والروح، في الفعل ورد الفعل، ناهيك عن التمايز الكائن داخل كل محافظة، إضافة إلى التمايز الواقع بين المحافظتين إجمالا والمحافظات الأخرى في المنطقة الشمالية من اليمن التي تتمدد فيها المحافظات من الشمال المحاذي لليمن الأوسط حيث ذمار وصولا إلى صنعاء، إلى شمال الشمال حيث صعدة وحجة، إلى الشرق حيث الجوف ومأرب، إلى الغرب حيث سهل وساحل تهامة، علاوة على المنطقة الجنوبية منه، حيث يظهر التفاوت بين أبين ويافع والضالع ولحج وشبوة والمهرة، ناهيك عن حضرموت التي تنقسم تاريخا إلى قسمين، هذا على

الصعيد الجغرافي وتأثيرات شخصية المكان على الإنسان، فكيف إذا نظرنا للجانب التاريخي والمجتمعي وتأثير كل منهما على الإنسان إجمالا؟!

في اليمن كما لبنان، ليس للتفكير الديني أي تأثير عميق في بنية القرارات المجتمعية، سواء كانت سياسية أو غيرها، وإن كانت بعض تجلياته تظهر على المشهد لحاجة ما، ثم ما تلبث أن تختفي أمام ضغط الضابط الرئيس للعلاقات بين الأفراد والكيانات وهو الضابط المجتمعي بشكل رئيس، وبالتالي لم يشهد اليمن أي صراع مذهبي عبر تاريخه إلا ما كان لفترات بسيطة في أزمان مختلفة.

في اليمن كما لبنان، يمكن أن تستحضر التاريخ دون ملل، بل ودون إحساس بالبعد الزماني، حتى لكأنك تتحدث عن واقعة تاريخية مضى عليها عقود عدة طويلة كأنها حدثت بالأمس القريب، وعلى الرغم من ذلك لا يتعدى الأمر جانب المَحكي من جهة، لكن لن تستطيع أن تغفل تأثيره على طبيعة الذهنية وما ينتج عنها من تصرفات وقرارات.

مع الأخذ في الاعتبار أنه قد ترسخ في ذهن اليمني والعربي بوجه عام فكرة أن اليمن مخزن العروبة البشري، فمنه انتشرت القبائل العربية في الآفاق، وهو مستودع القبائل الفاتحة في صدر الإسلام، وظل طوال تاريخه عصيا على المدنية، متشبثا بشخصيته القبلية التي كانت ولا تزال حاكمة للعلاقات البينية بين الأفراد، وضابطة لها مع الشخصية الحاكمة، ولذلك لم يتمكن النظام الجمهوري العسكري في اليمن من فرض هيمنته على الدولة كما هو الحال في مصر مثلا، وخسر جولاته المتعددة أمام سلطة القبيلة التي تمكنت من فرض سيطرتها على هوية النظام الحاكم في الجمهورية اليمنية خلال مختلف العقود السالفة. وبالتالي حافظ اليمن على شخصيته القبلية بأعرافها وقوانينها الحاكمة التي اتضحت هيمنتها على طبيعة العلاقات البينية ضمن إطار المشهد السياسي والعسكري والمجتمعي القائم حاليا.

فهل صار علينا أن نعي طبيعة اليمن التكوينية لفهم شيء من واقعه السياسي اليوم؟

@zash113