الهروب الإيراني عبر البحر المتوسط

الثلاثاء - 13 أغسطس 2019

Tue - 13 Aug 2019

حذر مستشارو الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من تصميم طهران على بناء جسر بري عبر الشرق الأوسط، يمتد من طهران إلى البحر المتوسط، وأكدوا أنه سيمكن نظام الملالي الإرهابي من التحايل على العقوبات المفروضة عليه، وتسهيل عملية شحن الأسلحة إلى جنوب لبنان وسوريا، بحسب مركز الدفاع عن الديموقراطيات.

وقال وزير الخارجية مايك بومبيو «ما زال النظام يبحث عن ممر يمتد من حدود إيران إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط»، وقبل فترة وجيزة من تعيينه كمستشار للأمن القومي، كتب جون بولتون «أنشأت إيران قوس سيطرة من إيران عبر العراق إلى نظام الأسد في سوريا إلى حزب الله في لبنان»، مضيفا «الموقع الجغرافي الاستراتيجي الثمين يعزز قدرة طهران على تهديد حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي»، وقال ترمب في بيان من البيت الأبيض «نحن لا نريد أن نعطي إيران موسما مفتوحا للبحر الأبيض المتوسط».

محور مشبوه

لا تطلق إيران على هذا الطريق اسم جسر أو ممر، بل تتحدث طهران عن الطريق المشبوه بأنه «محور المقاومة» يوحد إيران مع حزب الله اللبناني، ونظام بشار الأسد، وغيرهم من الجهات الفاعلة المتشابهة.

وألغت إيران حظر أحد الطرق المؤدية إلى البحر المتوسط وستمتد مزايا استراتيجية حقيقية من تعزيز السيطرة على هذا الطريق والطرق الأخرى التي تربط طهران ببغداد ودمشق وبيروت. ومع ذلك، فإن بناء جسرا بريا ليس سوى عنصر واحد من عناصر استراتيجية طهران لترسيخ أقدامها في الشرق الأوسط، وتوسيع هيمنتها على الدول القريبة.

تصعيد العقوبات

يجب أن يكون تعطيل الجسر البري أحد الأهداف المهمة ضمن استراتيجية شاملة لعكس المكاسب التي حققتها إيران في جميع أنحاء المنطقة، والتي تقاس من الناحية الجغرافية وقدرتها على تخويف أو المشاركة في الحكومات الإقليمية. فمن خلال تصعيد ضغط العقوبات يمكن أن يقيد وصول إيران إلى الجسر البري.

ففي الأشهر الأولى من 2019، بدأت الولايات المتحدة فرض عقوبات على الميليشيات الشيعية المختارة الخاضعة للسيطرة الإيرانية في سوريا والعراق، وبحسب مركز الدفاع عن الديموقراطيات، تستمد إيران قيمة استراتيجية أكبر من طرقها الجوية إلى سوريا التي كانت تمثل القناة الرئيسية منذ 2012 لإرسال الأسلحة إلى حزب الله وغيره من المتشددين الشيعة للقتال نيابة عن الأسد.

تبعا لذلك، بدأت الولايات المتحدة تكثيف العقوبات على شركات الطيران التجارية التي تشغل الجسر الجوي، وذكرت صحيفة ذا هيل الأمريكية أنه يمكن أن تساعد الدبلوماسية على بناء دعم إقليمي وعبر الأطلسي لإغلاق الجسر الجوي الإيراني.

أطماع الملالي

قبل أقل من ثلاث سنوات، كانت الإشارات إلى جسر بري إيراني نادرة، فقبل خريف 2016 بدا من غير المعقول أن تتمكن إيران من السيطرة على ممر من طهران إلى البحر المتوسط. ومع ذلك، بحلول 2017 تطورت التقييمات بسرعة استجابة للتطورات في ساحات القتال السورية والعراقية. وبحلول أوائل 2018 كان هناك إجماع تقريبي على تحقيق أطماع الملالي من خلال «الجسر البري».

وضعت إيران تصميمات حول الشرق الأوسط منذ إنشائها في 1979، وسعت الحكومة الإيرانية الجديدة إلى تصدير ثورتها على أمل تقويض الحكومات المتحالفة مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

في أوائل الثمانينات:

- رأت إيران فرصة لمواجهة إسرائيل ودعم قضية الشيعة اللبنانيين.

- نشر النظام آلافا عدة من أفراد الحرس الثوري الإسلامي المشكلة حديثا في سهل البقاع لبدء تدريب المقاتلين اللبنانيين الذين سيصبحون حزب الله.

- أقامت علاقات وثيقة مع نظام الأسد في سوريا.

تعد كل من حملة الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان وحملة إيران للإطاحة بخصمها خلال الحرب الإيرانية العراقية مثالين على جهود إيران لتصدير ثورتها، وذلك حسبما جاء بمجلة ناشونال إنترست الأمريكية.

تسليح حزب الله

يصف المحللون حزب الله اللبناني بأنه التصدير الأكثر نجاحا والأكثر فتكا للثورة الإيرانية عام 1979، فبعد أن شجعت الأيديولوجية الثورية أصبحت استراتيجية الأمن الإقليمي لطهران تعتمد على كوكبة من الجهات الفاعلة مثل حزب الله.

ومكنت زراعة إيران وتسليحها وتمويلها وتدريبها هذه القوات من دفع قضية الهيمنة الإيرانية بتكلفة منخفضة إلى حد ما، مع الحد من احتمالات التصعيد أو الانتقام المباشر ضد إيران، لأن دورها كان غير مباشر، وذلك بحسب تقرير مركز بروكينز.

غزو العراق

أدى الغزو الأمريكي للعراق في 2003 إلى إزاحة صدام حسين عن السلطة وفتح الباب أمام جهد إيراني لإشراك حكومة العراق.

ومع ذلك، فإن السيطرة على ممر بري في جميع أنحاء العراق ظلت غير واردة بسبب التمرد الذي اندلع في غرب العراق على طول الحدود السورية. هدأ التمرد في 2007-2008، لكن الوجود العسكري الأمريكي المستمر شكل تحديا مماثلا، بدأت الولايات المتحدة سحب قواتها في 2009، ولكن في 2011 فقد نظام الأسد السيطرة على شرق سوريا لقوات المتمردين، مما يهدد مخططات إيران الإقليمية.

حرب سوريا

أثار اندلاع الحرب في سوريا مناقشات في واشنطن حول جسر بري إيراني، لكن العبارة كان لها في البداية معنى مختلف. فبدلا من ممر من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط، وصف المصطلح مجموعة من الطرق الأقصر من المطارات والموانئ السورية إلى المناطق في لبنان الخاضعة لسيطرة حزب الله. في 2012 لاحظ محرر صحيفة واشنطن بوست، جاكسون ديل، أن «نظام بشار الأسد السوري هو أقرب حليف لإيران، وصلته بالشرق الأوسط العربي، قدمت سوريا الجسر البري لنقل الأسلحة والمسلحين الإيرانيين إلى لبنان وقطاع غزة «وأضاف» بدون سوريا سوف تتعطل ذرائع إيران للهيمنة الإقليمية».

مساعدة إيران للأسد

في 2013 قال ماثيو ليفيت، خبير في حزب الله ومدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات عبر صوت أمريكا، إنه يتحتم على الأسد الحفاظ على جسر بري لإعادة تزويد الأسلحة الإيرانية للمجموعة اللبنانية من خلال الحفاظ على السيطرة على الساحل السوري للبحر الأبيض المتوسط، فيمكن للشحنات التي وصلت إلى الموانئ أن تنتقل مباشرة إلى داخل لبنان.

على الرغم من أن سفن الشحن أكثر فاعلية من حيث التكلفة من الطائرات ولديها قدرة أكبر بكثير، إلا أنها أيضا أكثر عرضة للمنع، وأصبح الأسد يعتمد بشكل متزايد على الشحنات عبر الجو، والتي بدأت في أوائل 2012، عندما فتح العراق المجال الجوي للمرة الأولى لرحلات سوريا المتجهة من إيران.

أوقف العراق الرحلات بعد وقت قصير من مكالمة هاتفية من الرئيس أوباما إلى رئيس الوزراء نوري المالكي، لكن الرحلات استؤنفت بعد أشهر. في الواقع، كانت إيران تستخدم جسرا جويا لإرسال القوى البشرية والأسلحة إلى سوريا، بعضها تتحرك برا إلى لبنان، وذلك بحسب دراسة عن استراتيجة إيران في سوريا.

تطور فكرة الجسر

أدى نفوذ إيران المتزايد في العراق إلى إعادة تعريف الجسر البري كممر من طهران إلى البحر المتوسط، وليس فقط من دمشق إلى لبنان، وفي أواخر 2015، حذر علي خديري، المستشار السابق للعديد من السفراء الأمريكيين في العراق، من أن «إيران قد تلعب دورا مفسدا وتسعى للحفاظ على قدرتها على مهاجمة إسرائيل من خلال تأمين جسرها البري عبر العراق وسوريا ولبنان».

ظهرت أول تقييمات شاملة للجسر البري الممتد إلى البحر الأبيض المتوسط في خريف 2016، بداية من:

- قصة وول ستريت جورنال حول خوف العرب من أن يتبع سقوط داعش والتي نشرت تحت عنوان «تحد أكثر خطورة: الممر البري لطهران إلى بيروت» الخاضع للسيطرة الإيرانية.

- في أكتوبر نشرت صحيفة الجارديان البريطانية أول خريطة مفصلة للطريق الذي عبر من إيران إلى وسط العراق، ثم انتقل إلى الشمال الغربي، مرورا ببلدة سنجار، قبل دخول سوريا عند معبر رابيا الحدودي

- وفقا للصحيفة، كان الممر البري أحد «أكثر المشاريع المرغوبة في طهران، حيث تضمن قوسا من النفوذ في جميع أنحاء العراق وسوريا من شأنه الاعتماد على مصادر مجهولة لم يحددها إلا كمسؤولين إقليميين».

ـ ووافق مراقبون غربيون آخرون على أن الطريق الشمالي هو الأكثر منطقية. كجزء من سعيهم نحو الموصل، زادت الوحدات الموالية لطهران من وجودها في شمال غرب العراق. وبعد الاستيلاء على وحدات الحشد الشعبي على المطار في تلعفر، حذر المحللون من أنه «قد تستخدم إيران العراق وسوريا كجسر إلى لبنان، وإذا نجحت، فإن البلدان الثلاثة التي وقعت في خضم هذه الاستراتيجية قد تخسر ما تبقى من سيادتها، وذلك بحسب معهد واشنطن.

خارطة للطريق

استمرت الأفكار حول الجسر البري في التطور جنبا إلى جنب مع التطورات في ساحة المعركة. في 2017 بدأ تحالف بقيادة إيران شمل ميليشيات أجنبية شيعية وقوات نظام الأسد في التحرك شرقا نحو الحدود السورية مع العراق، ووصل في النهاية إلى بلدة البوكمال الحدودية في وادي نهر الفرات. وفي أكتوبر استولت قوات الحكومة العراقية ووحدات الحشد الشعبي على معبر ربيعة الحدودي الذي كان يسيطر عليه الأكراد العراقيون في السابق، مما عزز المخاوف بشأن الطريق الشمالي، وذلك بحسب ديلي بيست.

ومع انتهاء صيف 2017 بدأ المسؤولون الحكوميون والصحفيون وخبراء السياسة في مناقشة الجسر الأرضي بوتيرة أكبر، ونشرت كل من وكالة أسوشيتيد برس ووكالة رويترز قصصا تفحص الجسر البري والميليشيات الشيعية التي عملت على طول طريقها، وأنتج مايكل بريجنت من معهد هدسون خرائط توضح وجود هذه الميليشيات في معظم أنحاء العراق. وقال للكونجرس «نسميها الجسر البري الإيراني».

طريق المقاومة الإيراني

أشار المسؤولون الإيرانيون إلى عدد قليل من الإشارات الواضحة إلى «الجسر البري». وغالبا ما تستخدم منشورات باللغة الفارسية مصطلح «ممر بري» عندما يعيدون الإبلاغ عن التحليل الغربي الذي يشير إلى الجسر البري، وبالنسبة لطهران، يظل «محور المقاومة» هو الإطار المناسب لاستراتيجيتها في المنطقة. المحور عبارة عن بناء سياسي يتكون من مجموعة من الجهات الفاعلة بما في ذلك إيران والدول المتحالفة معها مثل سوريا والجهات الفاعلة غير الحكومية الميليشيات الشيعية بشكل أساسي بدرجات متفاوتة من الولاء الأيديولوجي والاستقلال التشغيلي، والذين وصفتهم الولايات المتحدة بالإرهابيين، وذلك حسبما جاء من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

قصة السكة الحديد

وفي أغسطس 2018 أعلن مسؤول إيراني أن إيران تعتزم بناء خط سكة حديد يربط الخليج العربي بالبحر المتوسط، من البصرة في جنوب العراق إلى البوكمال على الحدود العراقية السورية، متجها نحو دير الزور في شمال شرق سوريا.

وأشار إلى أن المشروع سيكون جذابا للصين التي تتطلع إيران معها إلى تعزيز علاقتها الاقتصادية لموازنة العقوبات الأمريكية، أثناء رحلة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق في مارس 2019، قيل إن إيران وقعت مذكرة تفاهم لمشروع السكك الحديدية المصمم «لربط مدينة البصرة الجنوبية الغنية بالنفط بالحدود الإيرانية»، وذلك بحسب cnbc.

ماذا يمكن للجسر البري أن يفعل

تحريك الميليشيات


تعتمد إيران وسوريا على الطائرات المدنية لتدوير الموجة بعد الموجة من مقاتلي الميليشيات إلى سوريا، حيث قاتلوا نيابة عن الأسد. في حين أن مقاتلي حزب الله يمكنهم عبور الحدود اللبنانية السورية برا، وهذا ليس خيارا للأفغان أو الباكستانيين أو حتى لعديد من العراقيين. هؤلاء المقاتلون الأجانب يخدمون عادة في سوريا لعدة أشهر فقط في كل مرة ويتكبدون خسائر فادحة، لذلك هناك حاجة مستمرة لجلب التعزيزات.

تهريب النفط

من المؤكد أن إيران حققت بعض النجاح في نقل الإمدادات المنقولة بحرا غير الأسلحة، فبعد فقدان السيطرة على شمال شرق سوريا، والتي أنتجت أكثر من 90% من النفط الخام في البلاد قبل 2011، أصبح نظام الأسد يعتمد بشكل متزايد على إيران للواردات. وإن ناقلات النفط التي أرسلتها إيران، كل منها تحتوي على ما يقرب من مليون برميل من النفط الخام، قد قامت بتفريغ حمولتها في ميناء بانياس السوري بشكل منتظم في 2018، على الرغم من أن تشديد العقوبات المفروضة على الولايات المتحدة قد خلق حواجز جديدة.

نقل الأسلحة

سيكون للجسر البري فائدة كبيرة كوسيلة لشحن الأسلحة، مثل الأسلحة الخفيفة أو الصواريخ قصيرة المدى والصواريخ. ومع ذلك، أثبت الجسر الجوي أيضا أنه كاف لتلبية احتياجات إيران في هذا الصدد، ويقدر نديمي أن الطائرات الإيرانية والسورية كانت قادرة على نقل 5000 طن من الإمدادات إلى دمشق خلال فترة الشهرين التي راقبها.

أمريكا تتحرك لتعطيل الجسر البري ووقف الإمداد اللوجستي للملالي نحو جنوب لبنان

مستشارو ترمب: يبحثون عن منفذ للهروب من العقوبات الأمريكية

روحاني وقع مع العراقيين عقدا لإنشاء سكة حديد لربط البصرة بالحدود الإيرانية

تحريك الميليشيات ونقل الأسلحة وتهريب النفط أهداف سرية لطهران

علي خديري: يلعبون دورا مفسدا ويبحثون عن أزمات للمنطقة

الأكثر قراءة