علي أحمد المطوع

الأعياد الرقمية

الأحد - 11 أغسطس 2019

Sun - 11 Aug 2019

هو عيد منزوع المشاعر، عيد تهنئته تكون عبر وسيلة رقمية، كصورة ثلاثية الأبعاد، تدخلت فيها التقنية فجعلتها في غاية الإتقان، حتى الألوان تعيد الآلة ضبطها، وتشكيلها، وقصها، ولصقها، ثم إعادة إرسالها إلى مئات من المنضوين في لوائحنا وقوائمها الاتصالية.

في عيد الأضحى تحضر صور الخراف في تهانينا وتستذكر هذه الشعيرة أو تبعث عند البعض من خلال صورة خروف مغلوب على أمره ينتظر حتفه صباح العيد.

في موسم بيع الخراف يزايد تجارها في أسعارها وتصبح سلعة استراتيجية لا ينقصها إلا بورصة تحدد وترصد قيمتها بين الأخضر والأحمر، وإن كانت الأيام ونسب التضخم تبشر بخضار مستمر لأسعار الخراف يقابله جفاف في جيوب ومحافظ الذين يستطيبونها لحما ومرقا وشواء.

عودة إلى أساليب التهاني في العيد، والتي تغيرت بحضور التقنية وسطوتها، وسيطرتها على كثير من صور حياتنا، نجد الرسائل النصية تنسخ من مرسل وترسل إلى مستقبل جديد، والعجيب أن الجميع يعرف أن هذه المشاعر مجردة من الصدق والعواطف، مشاعر معلبة تحضر في المواسم وتروج كتهان ترفع عن صاحبها وعثاء الاتصال وكآبة اللقاء.

نحن نعيش في عالم افتراضي بدأ ينقض بكل صوره وأنماطه على عالمنا الحقيقي، عالم يجعلنا نتساءل خوفا من القادم المتوقع المريب، وماذا بعد؟ وماذا ننتظر؟

العالم الافتراضي الذي بدأت أجهزتنا تؤطره وتحدده وتعيد تشكيلنا وفق خصائصه، هو عالم يرفع من مستوى عزوف الإنسان ورفضه لكثير من أشكال الوصل والتواصل الإنسانية المباشرة، كالزيارات واللقاءات، وهذا يعود إلى السرعة التي بات الإنسان يجدها في هذه الوسائط، حتى على مستوى المشاعر الإنسانية من حب وبغض، والذي كانت فيه العيون مصدرا أوليا لفهم تلك المشاعر، صادرتها التقنية، وحلت الكاميرا الثلاثية الأبعاد وتقنيات HD التصويرية محل النظرة الأولى التي كانت تشكل الانطباع الأول وربما الأخير، لم يعد هناك تواصل بصري، ولم يعد الحب من أول نظرة ممكنا، ولم تعد العيون نافذة لخروج واستقبال كل المشاعر الإنسانية العتيقة.

إنه زمن صعب، زمن مادي بحت، يقوم على سرعة التواصل بين الناس، من خلال وسائط رقمية، ألغت المسافات بدءا، وأعادت تشكيل المشاعر الإنسانية وفق قوالب رقمية من الحب والكره والجمال، والتي أعيدت صياغتها بما يتواءم والتقنية وأساليبها الجهنمية في إعادة تشكيل ذواتنا وتصديرها إلى الآخرين، في أشكال وهيئات تكون مثالية في كل شيء، لونا وسمتا وشكلا وشعورا ومشاعر، إلا أن كل ذلك التقدم العلمي لا يعطي تلك الوسائط القدرة على الصدق والوفاء، والتعاطي مع الآخرين بمشاعر إنسانية صافية نبيلة بعيدة عن الزيف والرياء والخداع.

في العيد نستقبل آلاف التهاني والتعابير، لكنها مجرد أرقام وصور وأشكال تحوي كل شيء وخالية من أجمل شيء وهو الصدق والنقاء.

هذا هو العيد وهذه تعابيره. وعيد بأية وسائط وأنماط عدت يا عيد؟

@alaseery2