زيد الفضيل

بعيدا عن السياسة

السبت - 10 أغسطس 2019

Sat - 10 Aug 2019

هل من الصدف أن يمر علينا كمسلمين ثلاث خطب رئيسة في ثلاثة أيام متوالية، أولاها خطبة يوم الجمعة الموافق يوم التروية، وثانيتها خطبة يوم عرفة في يوم السبت، وهو تمام الحج كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: الحج عرفة، وثالثتها خطبة يوم العيد الموافق هذا اليوم الأحد. ترى هل يحدث ذلك صدفة دون أن يكون له أي دلالة؟ أم هو قدر في علم الله كائن، يحمل في طياته رسالة أراد أن يؤكد عليها من خلال هذه المتواليات من الخطب؟

أخذت أفكر في الأمر، وفيما يمكن أن يقوله أي خطيب لمستمعيه، ففرصة أن يجتمع إليه الناس في ثلاثة أيام لمن كان في الحج، ويومين لغيرهم بشكل متوال، ليس أمرا هينا؛ على أني لم أستغرق وقتي في التفكير لتتكالب على ذهني أنواع وأصناف من الهموم والقضايا التي يجب مواجهتها بوعي وإدراك.

إذن هو الوعي، وهو أول تلك القضايا التي تحتاج إلى مزيد من الإرشاد والتبصر، فبالوعي تبنى المجتمعات بناء سليما، وبه تنهض الدول، وتسير في خطاها الصحيحة.

الوعي هو القيمة العظمى المغيبة في حياتنا، وهي القيمة التي يسهل ويصعب تحقيقها في آن واحد. على أن ذلك ليس بالأمر المستحيل، وفي مجتمعات شرق آسيا المتطورة كسنغافورة وماليزيا مثل يستحق التأمل.

يذكر التاريخ أن مقاطعة سنغافورة كانت حال استقلالها ترزح في غياهب الفقر والجوع، ويعيش إنسانها مرارة الحرمان، على اختلاف سحناتهم العرقية وثقافتهم الدينية، إذ هم خليط من الملايو والصينيين والهنود، لكن ومع الاهتمام بنمو حالة الوعي حال بناء الدولة، أخذ حالها يتغير، وبدأت في تسنم درجات عالية من التصنيف الاقتصادي، ليحتل جواز سفرها أعلى القائمة مرتبة على مستوى العالم، وهو دلالة على قيمة الدولة ونمو إنسانها على مختلف الأصعدة.

وفي سبيل ذلك فقد لجأت الحكومة السنغافورية إلى التشديد على أن الحداثة والتقدم لن يتحققا إلا بالقبول بالتعددية العرقية والثقافية، وبتولي الأكفأ للوظائف المتنوعة، وحتما ذلك من غايات الوعي العظمى، وكان أن عملت الحكومة على أن يكون من أبجديات تعليمها الذي كونت من خلاله هوية جامعة بين مختلف القوميات والثقافات الدينية لديها، ناهيك عن الاهتمام بتطويره منهجيا وتقنيا ليواكب المرحلة، فكان أن حققت الدولة برئاسة باني نهضتها «لي كوان» نموا اقتصاديا منذ ابتداء عام 1980، وتمكنت من خفض حجم البطالة إلى 3%، كما تم تصنيفها بعد ذلك من قبل منظمة الشفافية الدولية بأنها واحدة من الدول الأقل فسادا في العالم.

تلك كانت سنغافورة، ولا تزال شاهدة إلى اليوم على قيمة الوعي وأهميته في صناعة مجتمع من لا مجتمع، وتأسيس دولة متقدمة من لا دولة.

ونحن في وطننا الأبي، إذ نملك كل مقومات وعناصر النماء، يمكننا أن نحقق الأفضل، وأن نخطو صوب الحداثة المنشودة بقوة وثبات، ولا ينقصنا شيء سوى اكتمال حقيقة الوعي الذي به نتغلب على كل ما يمكن أن يفت في عضدنا ثقافيا وطائفيا واجتماعيا، ولا سيما أننا نعيش اليوم نهضة وتطورا غير مسبوقين، بفضل وعي وإدراك قيادة شابة، ورعاية ونظر قيادة حكيمة.

فهل يسعنا أن نخطو صوب ما ننشده من تقدم بوعي وإدراك بعيدا عن كل المزايدات العرقية، والتنابز الطائفي، والحساسيات المناطقية؟ سؤال أتوجه به لكل من يشدنا إلى الخلف في ظل انطلاقتنا نحو المستقبل. وكل عام ووطننا والعالم بخير.