عبدالله العولقي

الهوية العربية وتحديات المستقبل

الأربعاء - 07 أغسطس 2019

Wed - 07 Aug 2019

بعض منصات الإعلام الغربي المتشددة تحدثت بصراحة عن ضرورة طمس الهوية العربية كونها الحاضنة الهيكلية للدين الإسلامي، والذي يمثل من وجهة نظرهم الضيقة الخطر المحدق بمستقبل الحضارة الغربية، فيصنفون الإسلام وفق ميول متعنصرة وأهواء متشددة تحت شعارات الإرهاب، ولا شك أن هذه النظرة المتطرفة والبعيدة عن جادة الصواب والحقيقة تبرهن على هيمنة نظرية «صراع الحضارات» للمؤرخ الأمريكي صموئيل هنتنجتون على فضاء الثقافة الغربية عموما، ولا يخفى على القارئ الكريم أن وقائع ما يسمى «الربيع العربي» وما وراءها من أحداث، قد مهدت الطريق لمشروع تذويب الهوية العربية في محيطها الجغرافي، وفي هذا المقال سنستعرض بعض ملامح الإشكالية التي تتعرض لها هويتنا العربية.

على مدار التاريخ الإسلامي، وانتشاره على بقعته الجغرافية في آسيا وأفريقيا، عاشت الهويات المغايرة مع الهوية العربية على أسس التعايش وثقافة التسامح، لكنها اليوم تتعاند في حالة متمردة، وتعاني من اضطراب في سلوكها الجمعي، فهذه الهويات المغايرة ترسم الهوية العربية بصورة (الغزو)، وتصر على تحديد الإطار الجغرافي للهوية العربية بجزيرة العرب، هذه النظرة العنصرية تتجاهل عنوة أن الهوية العربية في عمقها الروحي تعايشت معها سنين طويلة وفق ثقافة التسامح، ولم تقبل وهي في ذروة هيمنتها الثقافية والسياسية باستئصال تلك الهويات المغايرة.

تتشكل أزمة الهوية العربية اليوم بتصاعد نبرات عنصرية لتلك الهويات المغايرة التي تعايشت تاريخيا وجغرافيا مع الهوية العربية على نمطية التسامح، ولكنها تنادي اليوم برفض الهوية العربية، ففي ليبيا مثلا هناك أزمة هوية يعيشها الشعب الليبي بضراوة أمام تصاعد نبرة (الهوية الأمازيغية) التي تتخذ نمطية التعالي والغطرسة ورفع العلم الأمازيغي في وجه الدولة الوطنية، ورفض فكرة الهوية العربية كثقافة عامة للدولة الليبية، وفي مصر نجد أصواتا شعبوية ترفض الهوية العربية، حتى وصلنا إلى استرجاع ذهني شعبوي للماضي السحيق، وانتساب مجهول عرقي للأسرة الحاكمة قديما (الفراعنة)، على الرغم من هيمنة الثقافة والأعراق العربية على هيكلية ومجموع الشعب المصري، وهذا الاستدعاء الماضوي ينذر بأزمة هوية للثقافة العربية.

من زاوية أخرى، لا شك أن الدور الإيراني في المنطقة يستهدف في محاوره تذويب الهوية العربية في الجغرافيا التي يهيمن عليها، لأنه يدرك تماما مدى خطورة الهوية العربية على مشروعه الثوري، ولذا فمنهجيته الثقافية تتأسس على «تفريس» الهوية كبديل ثقافي للعروبة، ففي العراق مثلا، تهدف طهران إلى تفريس الهوية لدى الطائفة الشيعية عبر بناء العوازل الثقافية والفكرية لهم، وإلحاقهم قسرا بهويتها الفارسية، وذلك عبر سلسلة من الفتاوى الخمينية التي تعمق الفجوة في المجتمع العراقي، كما أنها تصور الهوية العربية بنمطية القتل والإرهاب، تماما كما تفعل الآلة الإعلامية الغربية المتشددة!

أخيرا، العروبة في خارج إطارها الجغرافي تعاني اليوم من أزمة أيضا، فبعد أن كان لها الحضور السائد في الأحواز وتركيا ودول شرق آسيا وأفريقيا، نجدها اليوم تعاني أزمة هوية أيضا، وسط تصاعد وتفاقم الشعبوية المتعنصرة في تلك المناطق، بل وتضييق الخناق على الهوية العربية حتى وصل الحال إلى إجبار المحلات التجارية على تغيير لافتاتها العربية واستبدالها باللغات المحلية!

@albakry1814