برجس حمود البرجس

العمر التقاعدي للموظف

الأربعاء - 24 يوليو 2019

Wed - 24 Jul 2019

يتولى الأبوان رعاية طفلهما منذ ولادته، وتُقدّم الدولة لكل مواطن - منذ مجيئه إلى الدنيا - كثيرا من الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من خدمات غير مباشرة، يكبر الطفل وتستمر المسؤولية الأبوية في الرعاية، وكذلك استمرارية الصرف من قِبل الدولة على مصروفاته التعليمية والصحية، وذلك بين مدارس حكومية وأهلية وجامعات وابتعاث ومستشفيات حكومية وأخرى خاصة، حتى يصل عمر المواطن 24 سنة تقريبا، ثم يبدأ وظيفته، وأيضا معها المصروفات المذكورة.

هذه الصرفيات ليست هدرا، إنما استثمار في الشاب والشابة، استثمار في صحته وتعليمه، والآمال كبيرة أن يخدم وطنه في عمله وأن تكون العوائد أكثر من الاستثمار على نفسه وعلى وطنه ويكوّن بها أسرة وأطفالا، وإلا سيكون الاستثمار خاسرا واقعيا وحسابيا.

ولكي يكون الاستثمار ناجحا، من المفترض أن تكتمل عناصر عدة، من أهمها أن يخدم بلده على الأقل حتى سن الستين أو الخامسة والستين، سواء بالعمل الخاص أو القطاعات الحكومية، وهناك استثناءات طبعا تحتم التقاعد المبكر بحسب الأنظمة المتبعة.

المعادلة بسيطة وواضحة، فمعدل العمر الافتراضي للمواطن بالمملكة 72 سنة، ذكرنا منها فترة النمو الجسدي والفكري من الولادة حتى يبلغ سن 25 تقريبا؛ وباقي العمر (أي من سن 25 حتى سن 72) أي 47 عاما، ينقسم ما بين فترة العطاء (من سن 25 حتى التقاعد) والفترة الأخرى التي ما بعد التقاعد، دعونا نسميهما فترة العمل وفترة التقاعد.

ففي فترة العمل، الموظف يعمل ويشارك في البناء وهو عنصر في البناء التنموي مهما كان مجاله ويستقطع شهريا جزءا من راتبه لمؤسسات التقاعد التي تستثمر هذا الاستقطاع من راتب الموظف والجزء الذي تدفعه الجهة التي يعمل لديها الموظف؛ وثم تدفع له هذه الأموال المستثمرة كمعاشات تقاعدية بعد التقاعد.

أما فترة التقاعد التي تمتد إلى ما بعد الوفاة، فهي الفترة التي تصرف بها معاشات المتقاعد وتصرف أيضا لعائلته بعد وفاته وقد يمتد ذلك لأكثر من 40 سنة في بعض الظروف، حيث هناك كثيرون يستمرون على المعاش التقاعدي بين 20 و30 سنة حتى الوفاة، وبعدها يصرف المعاش لزوجته وأبنائه دون سن 24، وبناته حتى العمل أو الزواج.

المسألة تحتاج إلى توضيح ودراسات عميقة ومتكاملة، برؤية متجددة تتسق وتتماشى مع رؤية المملكة 2030.

طبعا هناك عناصر مهمة لإنجاح هذا الاستثمار، ومن أهمها فترة العمل التي كلما زادت، طبيعيا ستنقص فترة صرف المعاش التقاعدي، والمسألة إحصاء وأنماط وافتراضات وحسابات، وحسابات اكتوارية.

المعاش التقاعدي دائما أقل من الراتب عندما يكون الشخص على رأس العمل، فهناك حالات عدة لا يمكن حصرها لظروف الشخص وأعماله، ولكن الواضح والمؤكد أن التقاعد بسن صغيرة (في بداية الأربعينات حتى منتصف الخمسينات) دائما تكون ضد مصلحة الشخص المالية، وضد مصلحة المؤسسات التقاعدية مهما كانت نتائج الاستثمارات، الصفقة بكل صراحة خاسرة وسنلجأ للتعويض المالي غالبا من قبل الدولة.

الجانب الاختياري يتيح للموظف الخيارات المتاحة بحسب الأنظمة، والتي ربما يفترض أن تعدل أو ترتقي، حيث إن العمر المفترض للإنسان (معدل الأعمار عند الوفاة) ارتفع من الخمسينات قبل نصف قرن إلى بداية السبعينات حاليا ونستهدف بداية الثمانينات بعد عشر سنوات تقريبا، وهذا يُعزى لتطور الحياة والتسهيلات من جودة حياة وتطور علاج ووقائيات ومكيفات وغيرها كثير. كما أننا لا نلوم الموظف الذي يختار أيا من الخيارات المتاحة حاليا.

أما التقاعد الإجباري في سن مبكرة (نسبيا) للموظف، فيجب النظر إليه بمنظار جديد ومتجدد، ربما لا يكون الموظف مناسبا للجهة التي يعمل بها، ولذلك وضعت الأنظمة للتقاعد المبكر بسن مبكر، ولكن بالتأكيد يمكن نقله لقطاعات أخرى وقد تكون بعيدة كل البعد عن عمله الحالي.

الخيارات كثيرة والمقال ليس لسرد عشوائي لبعض الخيارات، ولكن الأمر يتطلب دراسات تفصيلية وعميقة مزودة بإحصاءات حالية ومستقبلية، ويتطلب مدخلات بأفكار منهجية من دور الفكر وبيوت الخبرات ودراسات لأفضل الممارسات العالمية، المهم أن الجميع يتفق على أنه ليس من مصلحة الوطن ولا المؤسسات التقاعدية ولا الموظف نفسه التقاعد المبكر بسن العطاء، نتحدث هنا عن الجانب المالي، الراتب أثناء العمل والمعاش التقاعدي.

Barjasbh@