عبدالله زايد

ترويض الشمس والكهرباء

الاثنين - 15 يوليو 2019

Mon - 15 Jul 2019

حاجة البشرية للطاقة الأحفورية ماسة ومتزايدة والحضارة تقوم عليها، رغم أن ضررها بالغ وماثل، فما تنفثه المصانع ومحطات تحلية مياه البحر ومحطات تشغيل الكهرباء ونحوها من أدخنة تلوث الهواء وتؤذي الغلاف الرقيق للأرض لا يمكن تجاهله أو غمض العين عنه، وقد اتفقت معظم دول العالم على إجراءات لتخفيف الأذى أو بمعنى أدق تأجيل وقوع الكارثة، فإن كانت ستقع بعد مئة عام يمكن أن تؤجل لما بعد مئتي عام أو أكثر قليلا، لكن الخطر يبقى والتلوث يستمر، ومهما وقعت دول العالم على اتفاقيات فإنها تبقى اتفاقيات محدودة، بل اسم هذه الاتفاقيات يكفي لتعطينا دلالة على القصور الشديد، مثل الحد من التلوث وليس إنهاء التلوث، أو تخفيف الخطر وليس إلغاء الخطر، وهذا بدهي لأن معظم دول العالم لن توقف إنتاجها ولن تقفل مصانعها مهما كانت الأسباب، لأنها تحقق مكاسب مادية كبيرة وميزانيتها تقوم على هذه الأرباح، بل حتى ولو قررت التضحية بالمكاسب تبقى الاحتياجات الأساسية للكهرباء وللمياه الصالة للشرب ماثلة للملايين من الناس ولا يمكن تجاهلها.

ما يحدث ببساطة هو تأجيل للمشكلة وليس حلا نهائيا لها. كثير من العلماء تحدثوا عن حل ناجح ونهائي وهو في إيجاد البديل وليس أمامنا إلا الطاقة الشمسية كبديل يلوح في الأفق، فمن خلال تطوير الطرق والوسائل يمكن الاستفادة من الطاقة الشمسية استفادة كاملة وكبيرة تتناسب مع احتياجات البشرية، الأمل يتصاعد وينمو ويكبر، وكما نشاهد فإن كل دولة تقوم ببحوثها وبرامجها وإنشاء مراكزها ومحطاتها الشمسية، ونسمع من هنا وهناك اختراقات ومنجزات ومبتكرات جديدة، لكن القفزات في هذا المضمار ليست وفق المأمول ولا تتناسب مع حاجة العالم للطاقة.

نستطيع القول إن جهود العالم مبعثرة والمعلومات متفرقة، ولو قدر وأنشئت جهة دولية مهمتها الإشراف على مركز دولي بحثي يجمع مختلف دول العالم المهتمة بالسبق والابتكار في مجال الطاقة الشمسية، فإنه قد تحدث اختراقات ويتحقق على أرض الواقع كثير من المكاسب والنجاحات التي ستحدث فرقا مدويا وكبيرا.

ما نراه اليوم هي مجموعة من الشركات الناشئة التي تقدم بين وقت وآخر مخترعات تشغلها الطاقة الشمسية لكنها بدائية وفي خطواتها الأولى، وهذه الشركات تعد العدة للاستفادة المادية بعد عقود من الزمن، فهي غير معنية بالوقت الراهن، وليست في عجلة من أمرها، وهي أيضا تحتكر كل مخترع يتم في هذا المجال، ومثل هذه الاحتكارات تؤخر أي عملية انتقال من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة الشمسية.

على الجانب الآخر تظهر الكهرباء قدراتها وإمكاناتها الهائلة، حيث تتمدد لتغطي مختلف تفاصيل حياتنا، فهي تقوم مقام البنزين في تشغيل سياراتنا ومقام الكيروسين للطائرات، والديزل للسفن والقطارات، والغاز لسد احتياجاتنا، إضافة إلى وظيفتها الأولى بإمدادنا بالضوء، ببساطة لن تجد مكانا أو حاجة للطاقة إلا وستجد الكهرباء حاضرة وتغنيك تماما عن أي نوع آخر من أنواع الطاقة المعتادة.

ويبقى نجاح البشرية في ترويض الشمس وإنتاج الكهرباء التي تغمر كوكبنا أمرا مذهلا وعظيما، ولا يمكن قياس آثاره الإيجابية المدوية على مجمل الحياة، ولعل أقل تلك الإيجابيات التخلص من شركات الكهرباء ووقود السيارات.